للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَالَ: مَهيم يَا حَرْب، قَالَ: ابْنك، قَالَ: ادخل الدَّار، فَدخل فأكفأ عَلَيْهِ جَفْنَة هاشمٍ الَّتِي كَانَ يهشم فِيهَا الثَّرِيد، وتلاحق بَنو عبد الْمطلب بَعضهم على أثر بعض فَلم يجترئوا أَن يدخلُوا دَار أَبِيهِم، فاحتبوا بحمائل سيوفهم وجلسوا على الْبَاب، فَخرج إِلَيْهِم عبد الْمطلب، فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم سره مَا رأى مِنْهُم، فَقَالَ: يَا بني أَصْبَحْتُم أسود الْعَرَب. ثُمَّ دخل إِلَى حَرْب فَقَالَ لَهُ: قُم فَأخْرج، فَقَالَ: يَا بني أَصْبَحْتُم أسود الْعَرَب. ثُمَّ دخل إِلَى حَرْب فَقَالَ لَهُ: قُم فَأخْرج، فَقَالَ يَا بني أَصْبَحْتُم أسود الْعَرَب. ثُمَّ دخل إِلَى حَرْب فَقَالَ لَهُ: قُم فَأخْرج، فَقَالَ يَا أَبَا الْحَارِث هربت من واحدٍ وَأخرج إِلَى عشرَة؟ فَقَالَ: خُذ رِدَائي هَذَا فالبسه فَإِنَّهُم إِذا رَأَوْا رِدَائي عَلَيْك لم يهيجوك. فَلبس رِدَاءَهُ وَخرج فَرفعُوا رؤوسهم فَلَمَّا نظرُوا إِلَى الرِّدَاء عَلَيْهِ نكسوا رؤوسهم، وَمضى حَرْب، فَهُوَ قَوْله إِن أشرف من حَرْب، من أكفأ عَلَيْهِ إناءة وَأَجَارَهُ بردائه.

حذف القَوْل وإضماره

قَالَ القَاضِي رَحمَه الله: قَول التَّمِيمِي جَار الزُّبَيْر فِي أول بَيته الثَّانِي من كَلمته قف لَا تصاعد بعد قَوْله فِي آخر بَيته الأول: وَالصُّبْح أَبْلَج ضوءه للساري مَعْنَاهُ: فَقَالَ قف، فاضمر القَوْل. وَحذف القَوْل وإضماره كثير فِي كَلَام الْعَرَب، قَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ: " وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ " الرَّعْد:٢٣، ٢٤ الْمَعْنى يَقُولُونَ: سَلام عَلَيْكُم؛ وَقَالَ الله تَعَالَى: " وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى " الزمر: ٣ وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن وَسَائِر الْعَرَبيَّة وَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر:

مَا للجفان تخطاني كَأَنَّهُمْ ... لم يلف حول ذرى بَيْتِي مَسَاكِين

أَرَادَ كَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ، وَقَالَ آخر:

وقائلةٍ مَا بَال لونك شاحبًا ... كَأَنَّك يحميك الطَّعَام طَبِيب

تتَابع أحداثٍ تخرمن منتي ... وأبلين جسمي فالفؤاد كئيب

فأضمر القَوْل. وَفِي هَذَا الْخَبَر: " أكفأ عَلَيْهِ الْإِنَاء " أَي الْجَفْنَة والفصيح السائر فِي كَلَام الْعَرَب: كفأت الْإِنَاء، فَأَما أكفأت فَإِنَّمَا يُقَال فِي بعض عُيُوب الشّعْر، يُقَال: أكفأ الشَّاعِر يكفئ إكفاء. وَبَين أهل الْعلم بالقوافي خلاف فِي ماهيته، وَهُوَ مُبين فِي مَوْضِعه.

[حلف الفضول]

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بكر الْعَدوي، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْن شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْعَدَوِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي عُثْمَان ابْن الضَّحَّاكِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ يَقُولُ: انْصَرَفَتْ قُرَيْشٌ مِنَ الْفِجَارِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ الْفِجَارُ فِي شَوَّالٍ، وَكَانَ حِلْفُ الْفُضُولِ أَكْرَمَ حلفٍ كَانَ قَطُّ وَأَعْظَمَهُ شَرَفًا، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ وَدَعَا إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ

<<  <   >  >>