للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّهُ مَا أَرَدْتُ إِلَى هَذَا؛ أَلا ذَهَبْتَ إِلَى مَنْزِلِكَ ثُمَّ بَعَثْتَ بِهَا إِلَيْنَا؟ فَقَالَ قَيْسٌ:

أَرَدْتُ لِكَيْمَا يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهَا ... سَرَاوِيلُ قيسٍ وَالْوُفُودُ شُهُودُ

وَأَلا يَقُولُوا غَابَ قيسٌ وَهَذِهِ ... سَرَاوِيلُ عَادِيٍّ نَمَتْهُ ثَمُودُ

وَإِنِّي مِنَ الحيِّ الْيَمَانِينَ سيدٌ ... وَمَا النَّاسُ إِلا سيدٌ وَمَسُودُ

فَكِدْهُمْ بِمِثْلِي إِنَّ مِثْلِي عَلَيْهِمُ ... شديدٌ وَخَلْقِي فِي الرِّجَالِ مَدِيدُ

قَالَ: فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ أَطْوَلَ رَجُلٍ فِي الْجَيْشِ فَوَضَعَهَا عَلَى أَنْفِهِ فَوَقَعَتْ بِالأَرْضِ. قَالَ: فَدَعَا مُعَاوِيَةُ بِسَرَاوِيلَ، فَلَمَّا جِيءَ بِهَا قَالَ لَهُ قَيْسٌ: نحِّ عَنْكَ ثِيَابَكَ هَذِهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:

أَمَّا قريشٌ فأقوامٌ مُسَرْوَلَةٌ ... واليثربيون أَصْحَاب التباين

فَقَالَ قَيْسٌ:

تِلْكَ الْيَهُودُ الَّتِي تَعْنِي بِبَلْدَتِنَا ... كَمَا قريشٌ هُمُ أَهْلُ السَّخَاخِينِ

رِوَايَة أُخْرَى للْخَبَر السَّابِق

وَقد رُوِيَ لنا هَذَا الْخَبَر من وُجُوه، وَهَذَا الَّذِي حَضَرنَا مِنْهَا، وَجَاء من طريقٍ آخر وَفِيهِ زِيَادَة وَخلاف فِي سياقته وَبَعض مَعَانِيه وَأَلْفَاظه. فَمن تامِّ مَا رُوِيَ فِيهَا أَن قَيْصر كتب إِلَى مُعَاوِيَة: إِنِّي قد وجهتُ إِلَيْك برجلَيْن: أَحدهمَا أقوى رجل ببلادي، والآخرُ أطول فِي أرضي، وَقد كَانَت الْمُلُوك تتجارى فِي مثل هَذَا وتتحاجى بِهِ، فَأخْرج إِلَيْهِمَا مِمَّن فِي سلطانكَ من يُقَاوم كلَّ وَاحِد مِنْهُمَا، فَإِن غلب صاحباك حملتُ إليكَ من المَال وأسارى الْمُسلمين كَذَا وَكَذَا، وَإِن غلبَ صَاحِبَايَ هادنتني ثَلَاث سِنِين. فَلَمَّا ورد كتاب قَيْصر على مُعَاوِيَة أهمه وشاور فِيهِ أَصْحَابه، فَقيل لَهُ: أما الأِّيد فادعُ لمناهضته إمَّا مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وإمّا عبد الله بن الزبير، فَقَالَ: إِذا كَانَ الأمرُ هَكَذَا فالمنافيُّ أحبُّ إِلَيْنَا، فأحضر مُحَمَّد بن عَليّ والأيّدُ الرُّومِي حَاضر، فَأخْبرهُ بِما دَعَاهُ لَهُ. فَقَالَ مُحَمَّد للرومي: مَا تشاءُ، فَقَالَ: يجلسُ كلُّ وَاحِد منا وَيدْفَع يَده إِلَى صَاحبه فَمن قلع صَاحبه من مَوْضِعه أَو رَفعه عَن مَكَانَهُ فقد فلج عَلَيْهِ، وَمن عجز عَن ذَلِكَ وقهر صَاحبه قُضِيَ بالغلبة لَهُ، فَقَالَ مُحَمَّد: هَذَا فَجعل يُمارسه ويَجتهد فِي إِزَالَته عَن مَوْضِعه فَلم يَتَحَرَّك مُحَمَّد، وَظهر عجز الرُّومِي لِمن حضر. فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد: اجْلِسْ الْآن، فَجَلَسَ وَأخذ بِيَدِهِ فَمَا لبث أَن اقتلعه وَرَفعه فِي الْهَوَاء ثُمَّ ألقاهُ على الأَرْض. فسر مُعَاوِيَة وحاضروهُ من الْمُسلمين. وَقَالَ مُعَاوِيَة لقيس بن سعد والرومي الطوَال: تطاولا، فَقَالَ قيس: أَنا أخلعُ سراويلي ويلبسها هَذَا العلج، فَإِن مَا بَيْننَا يبين بذلك؛ ثُمَّ خلع سراويله وَأَلْقَاهَا إِلَى الرُّومِي فلبسها، فبلغت ثدييه وانسحبَ بَعْضهَا فِي الأَرْض، فاستبشرَ النَّاس بذلك. وَجَاءَت الْأَنْصَار إِلَى قيس فَقَالَت لَهُ تبذَّلت بَين يَدي مُعَاوِيَة، وَلَو كنت مضيتَ إِلَى مَنْزِلك وبعثتَ بالسراويل إِلَيْهِ، فَقَالَ:

<<  <   >  >>