بَين عَيْنَيْهِ أثر السُّجُود، وَهُوَ مُعْتَمّ قد رجَّل لحيته، فسلّم ثُمَّ قَالَ: أصلح الله الْأَمِير قدمتُ غازيًا وكرهتُ أَن أجوزكَ حتّى أَقْْضِي حقّك، قَالَ: حيّاك الله وَبَارك عَلَيْك، ثُمَّ سكتَ عَنْهُ. فلمّا أنس أقبل عَلَيْهِ الْوَلِيد فَقَالَ: يَا خَال هَلْ جَمَعْتَ الْقُرْآن؟ قَالَ: لَا كَانَت تَشْغَلُنَا عَنْهُ شواغلُ. قَالَ: حفظت من سنة رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم ومغازيه وَأَشْعَارهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فأحاديثُ أهل الْحجاز ومضاحكها؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فأحاديثُ الْعَجم وآدابُها؟ قَالَ: إِن ذَلِكَ شيءٌ مَا كنتُ أطلبه. فَرفع الْوَلِيد المنديل وَقَالَ:: شاهَكَ. قَالَ عبد الله بن مُعَاوِيَة: سُبْحَانَ الله، قَالَ: لَا وَالله مَا مَعنا فِي الْبَيْت أحد. فلمّا رأى ذَلِكَ الرجلُ خرج فَأَقْبَلُوا على لعبهم.
الْحسب بِلَا أدب
قَالَ القَاضِي: مَا أعجبَ كَلَام الْوَلِيد هَذَا وألطفه وَأحسنه وأظرفه. وشبيه هَذَا مَا رُوِيَ أنّ رجلا خاطبَ مُعَاوِيَة فأكثرَ اللَّغْو فِي كَلَامه فضجرَ مُعَاوِيَة وَأعْرض عَنْهُ، فَقَالَ: أأسكت يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ؟ فَقَالَ: وَهل تكلّمت؟ ولعمري إِن ذَا الْجَهْل والغباوة إِلَى منزلَة من النَّقْص وَسُقُوط الْقدر وبِمعزل من الطَّبَقَة الَّتِي تستحقّ التهيُّب والإعظام والتبجيل والأكرام، وَإِن اتفقَ لَهم بالجَد وطائر السعد إعظام كَثِير من النّاس لَهم واغترار طَائِفَة من الْأَغْنِيَاء بِهم. وَقد ذكر أَن بزرجمهر سُئِلَ: مَا نعْمَة لَا يُحسد صَاحبهَا عَلَيْهَا؟ قَالَ: التَّوَاضُع، قيل: فَمَا بلية لَا يُرحَمُ صَاحبهَا؟ قَالَ: الْكِبْر، قيل: فَمَا الَّذِي إِذا انفردَ لَمْ يساوِ شَيْئا؟ قَالَ: الْحسب بِلَا أدب. وَفِي استقصاء القَوْل فِي هَذَا الْبَاب طول لَا يحْتَملهُ هَذَا الْموضع.
حلم سلمى بن نَوْفَل
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصُّولي قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يزِيد قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن صَفْوَان عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ سلمى بن نَوْفَل الدَّيلي سيدًا فِي كنَانَة، فَوَثَبَ رجلٌ من أَهله على ابْنه فجيء بِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا أمَّنك منّي وأجرأكَ عليَّ؟ أما خشيتَ عقابي؟ قَالَ: لَا، قَالَ: ولِمَ؟ قَالَ: لأنّا سوّدناك لكظم الغيظ والحلم عَن الْجَاهِل، فخلَّى سَبيله.
ولِّ الْبكاء أَهله - مصرع أَبنَاء الْحَارِث الْبَاهِلِيّ
حَدَّثَنَا عبد الله بن مَنْصُور الْحَارِثِيّ قَالَ، محدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلابِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عُمَر بْن حبيب قَالَ، حَدَّثَنِي سعيد بن سلم الْبَاهِلِيّ قَالَ: كَانَ الْحَارِث بن حبيب الْبَاهِلِيّ كَثِير الْبَنِينَ فنحى بنيه عَن قومه يخْشَى معرّتهم عَلَيْهِم، فغابَ الْحَارِث بن حبيب وشوى بنوه شَاة لَهم فأُخرجت وغطوها فَأَكَلُوا مِنْهَا فماتوا وهم ثَمانية، فجَاء فَرَآهُمْ موتى حول الشَّاة، فَأكل مِنْهَا وَأكْثر ليموتَ فَلم يَمت، فركبَ نَاقَة لَهُ يريدُ قومه ليعينوهُ على دفنهم، فمرَّ وَهُوَ راكبٌ برجلٍ جالسٍ يبكي، وَهُوَ رجل من بني قُشَيْر، فَقَالَ: مَا لَك؟ قَالَ: كَانَت لي شَاة فَأكلهَا الذئبُ فَنزل عَن رَاحِلَته فَقَالَ: هَذِه لَك بدل شَاتك وولِّ البكاءَ أهلَه، ثُمّ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute