يراعون ذَلِكَ كُلَّه ويَسُوقُونه ويبنون وزنَهُم عَلَى اللَّفْظ، ويُجْرون وزنهم عَلَى مُقَابلَة الْحَرَكَة جِنْسا لَا نوعا، فيسوون فِيهَا بَيْنَ الضَّمِّ وَالْفَتْح وَالْكَسْر، وَلما تَسَاوِي نكتال واكتال فِي عدد الْحُرُوف وسبيل حرف المضارعة أَن تجْرِي بِهِ الزِّيَادَة عَلَى حُرُوف الْمَاضِي، فَلِأَن همزَة اكتال زَائِدَة للوصل تذْهب إِذا تحركت فَاء الْفِعْل وَلَيْسَت بلازمة للكلمة، وَقَد اخْتلف فِيمَا زَاد من الْأَسْمَاء من الثلاثي الَّذِي هُوَ فاءٌ وعينٌ وَلَام فَأتى رباعيًّا أَوْ خماسيًّا من غَيْر أَن يَكُون فِيهِ شيءٌ من حُرُوف الزِّيَادَة كَقَوْلِك جَعْفَر وفرزدق، فَحكم بعضُهم عَلَى هَذَا بِأَن الْحَرْف والحرفين مِنْهُ مِمَّا أَتَى بعد الْفَاء وَالْعين وَاللَّام مَجْهُول، وَقضى بِأَن الطّرف أوْلَى مِنْهُ بِبَاب الزِّيَادَة، وَذهب آخَرُونَ إِلَى مثل هَذَا فِي الْعين، وميزوا بَيْنَ تجانس الحرفين فِي آخِره، وَذَلِكَ كفَعْلَل الَّذِي هُوَ وزن قَرْدَد، وبَيْنَ مَا اخْتلفَا فِيهِ نَحْو جَعْفَر، وَهَذَا بَاب لَا يحْتَمل كتَابنَا هَذَا الاتساع فِيهِ، وَلَهُ مَوضِع هُوَ أوْلى بِهِ.
وَمِمَّا اتّفق فِي هَذِهِ الْقِصَّة مَعَ مَا ذكرنَا من الْأَحْوَال الْعَارِضَة أَن يَعْقُوب كَانَ فِي صناعَة النَّحْو ذَا بضَاعَة مزجاةٍ نَزِرة، وَقَدْ صنف مَعَ هَذَا فِي النَّحْو كتابا مُخْتَصرا لم يعد فِيهِ القَدْرَ الَّذِي تناله يدُه، وَإِن كَانَ إِمَامًا علما فِي اللُّغَة، وقدوة سَابِقًا مُبرزًا فِي اخْتِلاف أَهلهَا من البصريِّين والكوفيّين، وَلَهُ فِيهَا كتبٌ مؤلفة حَسَنَة، وأنواع مصنفة مفيدة، وأَبُو عُثْمَان الْمَازِنِيّ وَإِن كَانَ قَدْ قصد الْجَمِيل من مقاربته وتسهيل مناظرته فَإِنَّمَا أَتَى بِمَا هُوَ متيسر لَهُ دونه، وَقَدْ كَانَ الأَوْلى بِمَا قَصده تنكُّب مَا فِيهِ اعتلالٌ وقلب، والْعُدول بِهِ عَنِ التصريف الكادِّ للقلب الشاق عَلَى اللُّب، وَقَدْ رد الْمَازِنِيّ عَلَى سِيبوَيْه مسَائِل فِي بَعْضهَا حججٌ وَفِي بَعْضهَا شبهٌ، وَسَأَلَ الأخْفَش عَنْ مسَائِل نسبه إِلَى التَّقْصِير والانقطاع فِي بَعْضهَا، وَحكي أَن الْأَخْفَش رَجَعَ عِنْد أول تَوْقِيف مِنْهُ عَلَيْهَا فِي الْبَعْض مِنْهَا، وَقَدْ ذكرنَا من هَذَا طرفا فِي مَوْضِعه.
بَنو الْأَحْرَار تهجي وتمدح
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْغلابِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّبِّيّ، قَالَ: سَمِعَ أَعْرَابِي رجلا يَقُول: " الْأَعْرَاب كفرا ونفاقاً " ثُمّ سَمعه يَقُولُ: " وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ " الْآيَة، فَقَالَ: هجا ومدح، لَا بَأْس، ثُمّ أنْشد:
هجوتُ بُحَيْرًا ثُمّ إِنِّي مدحتُهُ ... كَذَاك بَنو الأحْرار تَهْجُو وتمدحُ
كَيفَ يفعل مَعَ هَذَا الْأنف؟
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن زِيَاد الْمقري، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مَحْمُود، قَالَ: رَأَيْت قَاضِي الْقُضَاة يَحْيَى بْن أَكْثَم بِمَكَّة وَقَدْ وقف يُلَاحظ حجّامًا عَلَيْه أنف كأَنَّه أزجٌ، فَقلت لَهُ: أَيهَا القَاضِي! مَا هَذَا الْوُقُوف، فَقَالَ لي: ذَرْني فَإِنِّي أُرِيد أنظر إِلَى هَذَا كَيفَ يَسْتَوِي لَهُ مَصُّ المحجمة مَعَ هَذَا الْأنف؟ وَقَدْ كَانَ رجلٌ جالسٌ بَيْنَ يَدي الْحجام فَفطن بِهِ الْحجام، فَقَالَ لَهُ: مَالك قَائِم تنظر إليّ؟ لَيْسَ ونورِ اللَّهِ أضْرب فِي قفا هَذَا بمعولي وَأَنت وَاقِف،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute