قَالَ: فسمعنا من وارء السَّبَنِيَّةِ ضحكًا أَعلَى من الضحك الأول ثُمّ أَتَى الْخَادِم، فَقَالَ لِعبيد اللَّه عَنِ المتَوَكل: أتبعهم صِلَةً فقد لَزِمَهُم فِي طريقهم مؤونة واصرِفْهم، فَقَالُوا: نَحْنُ فِي غِنًى وَفِي الْمُسْلِمِين من هُوَ أحقُّ بِهَذِهِ الصِّلة وإليها أحْوج.
قَالَ القَاضِي: فَهَذِهِ الْحِكَايَة تُبِّينُ أَن المتَوَكل عَلَى خلاف مَا توهمه ابْن الخصيب، وبمعزلٍ مِمَّا نسبه فِي هَذَا الْمَعْنى إِلَيْهِ، واللَّه تَعَالَى أَعْلَم بالضمائر، وخفيات السَّرائر، وَهُوَ الْمجَازِي كُلّ مُحْسن ومسيء بِعَمَلِهِ.
اعتذار الْحَسَن بْن وَهْب عَنِ الْإِعْطَاء
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُوسَى الْبَرْبَرِي، قَالَ: كتب رجلٌ إِلَى الْحَسَن بْن وَهْب يستميحه وَكَانَ مضيقًا، فَكتب إِلَيْهِ الْحَسَن:
الْجُود طَبْعِي ولكنْ لَيْسَ لي مالٌ ... فَكيف يحتال من بالرَّهْن يحتالُ
وشهوتي فِي العطايا وانبساطُ يَدي ... وَلَيْسَ مَا أشتهي يَأْتِي بِهِ الْحَال
فهاك خطي فزُرْني بحيثُ لي نشبٌ ... وَحَيْثُ يمكنُ إحسانٌ وإفضالُ
المجلِسُ الأربَعُونْ
لن يدْخل الجَنَّة شحيح أَوْ بخيل
حَدَّثَنَا رِضْوَانُ بْنُ أَحْمَدَ بن جالينوس الصَّيْد نائي، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي شَجَرَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَفَتَقُولُونَ أَوْ يَقُولُ قَائِلُكُمْ: الشَّحِيحُ أَعْذَرُ مِنَ الظَّالِمِ وَأَيُّ ظُلْمٍ أَظْلَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الشُّحِّ، مَا أَسْرَعَ فِي نَفْضِ الإِسْلامِ شيءٌ إِسْرَاعَ الشُّحِّ، وَحَلَفَ اللَّهُ بِعِزَّتِهِ وَجَلالِهِ، لَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ شَحِيحًا وَلا بَخِيلا ".
قَالَ القَاضِي: فِي هَذَا الْخَبَر مَا يبعثُ عَنِ التَّنَزُّهِ عَنِ الشُّحِّ، وَالرَّغْبَة عَنِ الدناءةِ وَالْبخل، وَيَدْعُو إِلَى السَّماحة والبَذْلِ، ويحثُّ عَلَى السَّخاء، وَيبْعَث عَلَى الْعَطاء، وَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمثل هَذَا الْخَبَر أَخْبَار كَثِيرَة، وَعَن السّلف وَالْخلف، وأتى فِيهِ من أَخْبَار الْعَرَب وجواهر كَلَامهَا، ومنظوم أشعارها، مِمَّا يقف النَّاظر فِي مجَالِس كتَابنَا هَذَا عَلَى الْكثير المستحسن مِنْهُ، وَلا يحْتَمل هَذَا الْمَكَان الْإِتْيَان بِجَمِيعِهِ فِي مجْلِس وَاحِد لطوله.
تَعْزِيَة بليغة
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِم، قَالَ: عزي رجلٌ بعضَ مُلُوك العَجم، فَقَالَ: أَغْنَاك اللَّه عَنِ الْحَاجة إِلَى الصَّبْر بِحسن العزاء، وَلا أنساك مصيبتك بأعظم مِنْهَا وَلا حَرمك جزيل الثَّوَاب عَلَيْهَا.