فَلم يَضُرَّه، أخرجوهم عَنْكُم، فصالحوهم عَلَى مائَة ألف، فَقَالَ لَهُ خَالِد: مَا أدْركْت؟ قَالَ: أدْركْت سفن الْبَحْر ترفأ غلينا فِي هَذَا الجرف، وَرَأَيْت الْمَرْأَة من أَهْلَ الْحيرَة تخرج إِلَى الشَّام فِي قرى متواترة مَا تُزَوَّدُ رغيفا، وَقد أَصبَحت خرابًا يبابا، كَذَلِك دأب اللَّه فِي الْعباد والبلاد، وَقَالَ عَبْد الْمَسِيح حِين رَجَعَ:
أبعد الْمُنْذِرِين أرى سوَامَا ... تَرَوَّحُ بالخورنق والسّدير
تحاماها فوارسُ كلّ حَيٍّ ... مَخافة ضَيْغم عالي الزئير
وَبعد فوارس النُّعْمَان أرعى ... رياضًا بَيْنَ ذرْوَة والحفير
فصرنا بَعْدَ هُلك أبي قبيس ... كَمثل الشَّاء فِي الْيَوْم المطير
تَقَسّمها الْقَبَائِل من مَعَدٍّ ... عَلَانيَة كأيسار الْجَزُور
وَكُنَّا لَا يُبَاح لَنَا حَرِيمٌ ... فَنحْن كضرة الناب الفَخُور
كَذَاك الدَّهْر دولته سجالٌ ... تَصَرَّفُ بالمَسَاءةِ والسُّرورِ
قَالَ القَاضِي: قَول عَبْد الْمَسِيح لخَالِد لما سَأَلَهُ مَا أَنْتُمْ؟ قَالَ: عربٌ استنبطنا ونبطٌ استعربنا، مَعْنَاهُ أَنَا عرب ونبط خالط بَعْضنَا بَعْضًا وجاوره، فَأخذ كلّ فريق منا من خلائق صَاحبه وَسيرَته.
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أبي الرّحال الصّالحيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد الدوري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بِشْر، قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْل الْخياط، عَنْ جَعْفَر بْن أبي جَعْفَر: أَنَّهُ كَانَ يتَعَوَّذ من النبطي إِذَا استعرب والعربي إِذَا استنبط، فَقيل لَهُ: كَيْفَ يستنبط الْعَرَبِيّ؟ قَالَ: يَأْخُذ بأخلاقهم ويتأدب بآدابهم.
خبر الغضبان بْن القَبَعْثَري مَعَ الحَجَّاج
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القَاسِم الأنبَاريّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عُبَيْد بْن نَاصح، قَالَ: حُدِّثْت أنَّ الحَجَّاج بْن يُوسُف بعث الغضبان بْن القبعثري ليَأْتِيه بِخَبَر عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن الْأَشْعَث وَهُوَ بكِرْمَان، وَبعث عَلَيْهِ عينا وَكَانَ كَذَلِك يفعل، فَلَمّا انْتهى الغضبان إِلَى عَبْد الرَّحْمَن قَالَ لَهُ: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: شَرّ، تَغَدَّ بالحجاج قَبْلَ أَن يتعشى بك، وَانْصَرف الغضبان فَنزل رَملَة كرمان وَهِي أرضٌ شَدِيدَة الرمضاء، فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذْ ورد عَلَيْهِ أَعْرَابِي من بني بَكْر بْن وَائِل عَلَى فرس لَهُ يَقُود نَاقَة، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك، قَالَ الغضبان: السَّلَام كثير وَهِي كلمة مقولة، قَالَ الأَعْرَابِي: مَا اسْمك؟ قَالَ: آخذ. قَالَ: أفتعطي؟ قَالَ: لَا أُحِبَّ أَن يكون لي اسمان، قَالَ: من أَيْنَ أَقبلت؟ قَالَ: من الذَّلُول، قَالَ: وَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْمَشْي فِي مناكبها، قَالَ: من عُرِض الْيَوْم؟ قَالَ: عرض المتقون. قَالَ: فَمن سَبَق؟ قَالَ الفائزون، قَالَ: فَمن غلب؟ قَالَ: حِزْبُ اللَّه، قَالَ: فَمن حِزْبُ اللَّه؟ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute