هُم الغالبون، قَالَ: فَعجب الأَعْرَابِي من مَنْطِقه، قَالَ: أما تَقْرض؟ قَالَ: إِنَّمَا تَقْرض الْفَأْرَة، قَالَ: أتسمع؟ قَالَ: إِنَّمَا تسمع الْقَيْنَة، قَالَ: أفتنشد؟ قَالَ: إِنَّمَا تنشد الضَّالة، قَالَ: أفتقول؟ قَالَ: إِنَّمَا يَقُولُ الْأَمِير، قَالَ: أفتتكلم؟ قَالَ: كلٌّ مُتَكَلم، قَالَ: أفتنطق؟ قَالَ: إِنَّمَا ينْطق كتاب اللَّه، قَالَ: أتسمع؟ قَالَ: حَدِّثنِي أسمع، قَالَ: أفتسجع؟ قَالَ: قَالَ إِنَّمَا تسجع الْحَمَامَة، قَالَ الأَعْرَابِي: تالله مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطّ، قَالَ: بلَى وَلَكِنَّك نسيت، قَالَ الأَعْرَابِي: فَكيف أَقُول؟ قَالَ: لَا أَدْرِي وَالله، قَالَ الأَعْرَابِي: كَيْفَ ترى فرسي هَذِهِ؟ قَالَ الغضبان: هُوَ خَيّر من آخر شَرّ مِنْهُ وَآخر خَير مِنْهُ أفره مِنْهُ، قَالَ الأَعْرَابِي: إِنِّي قَدْ علمتُ ذَلِكَ، قَالَ: لَوْ علمت لَمْ تَسْأَلنِي، قَالَ، قَالَ الأَعْرَابِي: إِنَّكَ لمنكر، قَالَ الغضبان: إِنَّكَ لمعروف. قَالَ: لَيْسَ ذَاك أُرِيد، قَالَ: فَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أردْت إِنَّك لعاقل قَالَ: أفتعقل بعيرك هَذَا؟ قَالَ الأَعْرَابِي: أفتأذن لي فَأدْخل عَلَيْكَ؟ قَالَ الغضبان: وراؤك أوسع لَك، قَالَ الأَعْرَابِي: قد أحرقتني الشَّمْس، قَالَ: السَّاعَة يفِيء عَلَيْك الْفَيْء، قَالَ الْأَعرَابِي: إِن الرمضاء قَدْ آذتني، قَالَ: بُلْ عَلَى قَدَمَيْك، قَالَ قَدْ أوجعني الْحر، قَالَ الغضبان: مَا لي عَلَيْهِ سُلْطَان، قَالَ الأَعْرَابِي: إِنِّي لَا أُرِيد طَعَامك وَلَا شرابك، قَالَ: لَا تعرِّض بهما فوَاللَّه لَا تذوقهما، قَالَ الأَعْرَابِي: سُبْحَانَ اللَّه، قَالَ: من قَبْلَ أَن تطلع رَأسك، قَالَ الأَعْرَابِي: أما عنْدك إِلَّا مَا أرى؟ قَالَ: بلَى، هِرَّاوتان أضْرب بهما رَأسك، فَقَالَ الأَعْرَابِي: اللَّه، قَالَ: ظَلَمك أحد؟ فَلَمَّا رأى الْأَعرَابِي ذك قَالَ: إِنِّي لأظنك مَجْنُونا، قَالَ الغضبان: اللَّهُمّ اجْعَلنِي مِمَّن يَرْغب إِلَيْكَ، قَالَ: إِنِّي لأظنك حروريا، قَالَ: اللَّهُمّ اجْعَلنِي مِمَّن يتَخَيَّر الْخَيْر، ثُمَّ قَالَ: لَهُ الغضبان: أَهَذا بعيرك يَا أَعْرَابِي؟ قَالَ: نَعَمْ: فَمَا شَأْنه؟ أرى فِيهِ دَاء فَلهُ أَنْت بَائِعه ومشتر مَا هُوَ شَرّ مِنْهُ، فولى الأَعْرَابِي وَهُوَ يَقُولُ: وَالله إِنَّكَ لمرح أَحمَق. فَلَمّا قَدِمَ الغضبان عَلَى الحَجَّاج قَالَ: كَيْفَ تركت أَرض كرمان؟ قَالَ: أصلح اللَّه الْأَمِير، أَرض مَاؤُهَا وشل، وَثَمَرهَا دقل ولصها بَطل، فالجيش فِيهَا ضِعَاف، إِن كَثُرُوا فِيهَا جَاعُوا، وَإِن قلوا بهَا ضَاعُوا، فَقَالَ الحَجَّاج لَهُ: أما إِنَّكَ صَاحب الْكَلِمَة الَّتِي بلغتني عَنْكَ حِين قلت تغد بالحجاج قَبْلَ أَن يتعشى بك؟ قَالَ الغضبان: أما إِنَّهَا - جعلني اللَّه فداءك - لَمْ تَنْفَع من قيلت لَهُ، وَلَا تضر من قيلت فِيهِ، فَأمر الحَجَّاج بِهِ إِلَى السجْن، فَلَمّا ذهب مكث فِيهِ حَتَّى إِذَا بنى الحَجَّاج خضراء وَاسِط أَعْجَبته كَمَا لَمْ يُعجبهُ بِنَاء قَطّ فَقَالَ لمن حوله: كَيْفَ ترَوْنَ قبتي هَذِه؟ قَالُوا: أصلح اللَّه الْأَمِير، مَا بنى ملك قَطّ مثلهَا، وَمَا نعلم للْعَرَب مأثرة أفضل مِنْهَا، قَالَ الْحجَّاج: أما إِن لَهَا عَيْبا، سأبعث إِلَى من يُخْبِرنِي بِهِ فَبعث إِلَى الغضبان فَأقبل يرسف فِي قَيده، فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ سلم، فَقَالَ الْحجَّاج: كَيفَ ترى قبتي هَذِه؟ قَالَ: أصلح الله الْأَمِير هَذِه قبَّة بنيت فِي غَيْر بلدك لغير ولدك، لَا يسكنهَا وارثك وَلَا يَدُوم لَك بَقَاؤُهَا كَمَا لم يئيم هَالك وَلم يبْق فان، وأمّا هِيَ فَكَأَن لَمْ تكن، قَالَ: صدقت، ردُّوه إِلَى السجْن فَإِنَّهُ صَاحب الْكَلِمَة الَّتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute