مِنْ أَمْرِهِمَا مَا لَمْ أَفْهَمْ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! تَحِلُّ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ أَرْبَعٌ، فَلَهُ ثَلاثَةُ أَيَّام وَثَلَاث ليلالٍ يَتَعَبَّدُ فِيهِنَّ مَا شَاءَ، وَلَهَا يَوْمًا، وليلتها، فَقَالَ عمر: مَا لحق إِلا هَذَا، اذْهَبْ فَأَنْتَ قاضٍ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَلَمْ يَزَلْ قَاضِيًا بَقِيَّةَ خِلافَةِ عُمَرَ وَخِلافَةِ عُثْمَانَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجَمَلِ تَقَلَّدَ مُصْحَفًا وَخَرَجَ يُصَلِّي بَيْنَ النَّاسِ فَأَتَاهُ سهمٌ غربٌ فَقَتَلَهُ، وَقُتِلَ يومئذٍ أَخَوَانِ فَجَاءَتْ أُمُّهُمْ بَعْدَمَا انْقَضَتِ الْحَرْبُ فَحَمَلَتْهُمْ وَهِيَ تَقُولُ:
أَعَيْنَيَّ جُودَا بدمعٍ سَرِبْ ... فتيةٍ مِنْ خِيَارِ الْعَرَبْ
وَمَا ضرهم غير حتف النفو ... س أَيَّ أَمِيرَيْ قريشٍ غَلَبْ
قَالَ الْقَاضِي: الَّذِي قَضَى بِهِ كَعْبُ بْنُ سُورٍ فِيمَا بَيْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ زَوْجِهَا هُوَ قَوْلُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ، وَعَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْخَلَفِ وَبِهِ تَقُولُ، وَمَا احْتَجَّ بِهِ كعبٌ فِيهِ صَحِيحٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ.
السَّبَب فِي زَوَال ملك بني أُمَيَّة فِي رَأْي ملك النّوبَة
حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْقَاسِم الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس الْفَضْل بْن الْعَبَّاس الرَّبَعِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن عِيسَى بْن أَبِي جَعْفَر المَنْصُور، قَالَ: سمعتُ عمي سُلَيْمَان بْن أَبِي جَعْفَر يَقُولُ:
كُنْت وَاقِفًا عَلَى رَأس المَنْصُور لَيْلَة وَعِنْده إِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ، وَصَالح بْن عَلِيّ، وَسليمَان بْن عَلِيّ، وَعِيسَى بْن عَلِيّ، فتذاكروا زَوَال ملك بني أُمَيَّة وَمَا صنع بهم عَبْد اللَّه، وقُتِل من قُتِل مِنْهُم بنهر أَبِي فِطْرَس، فَقَالَ المَنْصُور: رَحْمَة اللَّه ورضوانه عَلَى عمي، أَلا مَنَّ عَلَيْهِم حَتَّى يرَوْا من دولتنا مَا رَأينَا من دولتهم، وَيرغبُوا إِلَيْنَا كَمَا رغبنا إِلَيْهِم، فَلَقَد لَعَمْرِي عاشوا سُعَداء وماتوا فُقَرَاء، فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين! إِن فِي حَبْسِك عَبْد اللَّه بْن مَرْوَان بْن مُحَمَّد، وَقَدْ كَانَتْ لَهُ قصَّة عَجِيبَة مَعَ ملك النُّوبة، فَابْعَثْ فَسَلْهُ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا مُسَيب! عليَّ بِهِ، فأَخْرَجَ فَتًى مُقَيَّدًا بقيدٍ ثَقِيلٍ وَغُلٍّ ثَقِيلٍ فَمَثُلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! رَدُّ السَّلامِ أمنٌ، وَلَمْ تَسْمَحْ لَكَ نَفْسِي بِذَلِكَ بَعْدُ، وَلَكِنِ اقْعُدْ، فَجَاءُوا بوسادةٍ فَثُنِّيَتْ فَقَعَدَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ: لقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَتْ لَكَ قصةٌ عجيبةٌ مَعَ مَلِكِ النُّوبَةِ فَمَا هِيَ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَا وَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالْخِلافَةِ، مَا أَقْدِرُ عَلَى النَّفَسِ مِنْ ثِقَلِ الْحَدِيدِ، وَلَقَد صدىء قَيْدي مِمَّا أُرَششُ عَلَيْه من البَوْل، وأصبُّ عَلَيْه المَاء فِي أَوْقَات الصَّلَوَات، فَقَالَ: يَا مسيِّب! أطلق عَنْهُ حَدِيدَه، ثُمّ قَالَ: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لم قَصدَ عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ إِلَيْنَا، كنتُ الْمَطْلُوب من بَيْنَ الْجَمَاعَة، لأنِّي كنتُ وليَّ عَهْدِ أبِي مِنْ بعده، فدخلتُ إِلَى خزانَة فاستخرجتُ مِنْهَا عشرَة آلَاف دِينَار، ثُمّ دعوتُ عشرَة من غلماني وحمَّلتُ كُلّ واحدٍ عَلَى دابَّة ودفعتُ إِلَى كُلّ غلامٍ ألف دِينَار وأوقرتُ خَمْسَة أبغلٍ فُرْشًا، وشَدَدْت فِي وسطي جوهرًا لَهُ قيمَة مَعَ ألف دِينَار، وَخرجت هَارِبا إِلَى بِلَاد النّوبَة فَسِرْتُ فِيهَا ثَلَاثًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute