للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سَاعَته مائَة ألف دِرْهَم فأحضرت، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أتحبني؟ قَالَ: أما الْآن فَنعم، قَدْ أَنْعَمت وأحسنت، فَقَالَ: انتقم الله لَك مِمَّن ظلمك وَأخذ بحقِّك مِمَّن بغى عَلَيْكَ، فَكَانَ هَذَا أول مَا ظهر من الرشيد فِي أَمر يحيى بْن خَالِد ثُمَّ تَزَيّد الْأَمر بَعْدَ ذَلِكَ.

خبرُ وضَّاحِ الْيمن

حَدَّثَنَا أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الْخُتلِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْص النَّسَائيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حِبّان بْن صَدَقة، عَنْ مُحَمَّد بْن أبي السّري، عَنْ هِشَام بْن مُحَمَّد بْن السَّائِب، قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ يزِيد بْن عَبْد الْملك بْن مَرْوَان أم الْبَنِينَ بِنْت فلَان، وَكَانَ لَهَا من قلبه مَوضِع قَالَ: فَقدم عَلَيْهِ من نَاحيَة مصر بجوهر لَهُ قيمَة وَقدر، قَالَ: فَدَعَا خصِيًّا لَهُ فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى أم الْبَنِينَ وَقل لَهَا: أُتيتُ بِهِ الساعةَ فبعثتُ بِهِ إِلَيْكَ، قَالَ: فَأَتَاهَا الْخَادِم فَوجدَ عِنْدهَا وَضَّاحَ الْيمن وَكَانَ من أجمل الْعَرَب وأحسنها وَجها، فعشقته أم الْبَنِينَ فأدخلته عَلَيْهَا، فَكَانَ يكون عِنْدهَا فَإِذا أحسّت بِدُخُول يزِيد بْن عَبْد الْملك عَلَيْهَا أدخلته فِي صندوق من صناديقها، فَلَمّا رَأَتْ الْغُلَام قَدْ أقبل أدخلته فِي الصندوق فَرَآهُ الْغُلَام وَرَأى الصندوق الَّذِي دخل فِيهِ، فَوضع الْجَوْهَر بَيْنَ يَديهَا وأبلغها الرسَالَة، ثُمَّ قَالَ: يَا سيِّدتي هَبِي لي مِنْهُ لُؤْلؤة، قَالَتْ: لَا، وَلَا كَرَامَة، فَغَضب وَجَاء إِلَى مَوْلَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! إِنِّي دخلت عَلَيْهَا وَعِنْدهَا رَجُل، فَلَمّا رأتني أدخلته صندوقًا فَهُوَ فِي الصندوق الَّذِي من صفته كَذَا وَكَذَا وَهُوَ الثَّالِث أَو الرَّابِع، فَقَالَ لَهُ يزِيد: كذبت يَا عَدو اللَّه، جئوا فِي عُنُقه فوجأوا عُنُقه وَنَحْوه عَنهُ، قَالَ: فأمهل قَلِيلا ثُمَّ قَامَ فَلبس نَعله وَدخل عَلَى أم الْبَنِينَ وَهِي تمتشط فِي خزانتها، فجَاء حَتَّى جلس عَلَى الصندوق الَّذِي وصف لَهُ الْخَادِم، فَقَالَ: يَا أم الْبَنِينَ! مَا أحبب إِلَيْكَ هَذَا الْبَيْت؟ قَالَتْ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! أدخلهُ لحاجتي وَفِيه خزانتي فَمَا أردْت من شَيْءٍ أَخَذته من قُرب، قَالَ: فَمَا فِي هَذِهِ الصناديق الَّتِي أَرَاهَا؟ قَالَتْ: حُلِيِّي وأثَاثي، قَالَ: فهبي لي مِنْهُ صندوقًا، قَالَتْ: كلهَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: لَا أُرِيد إِلَّا وَاحِدًا وَلَك عليّ أُعْطِيك زِنَته وزنة مَا فِيهِ ذَهبًا، قَالَتْ: فَخذ مَا شِئْت، قَالَ: هَذَا الَّذِي تحتي، قَالَتْ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! عَدِّ عَنْ هَذَا وَخذ غَيره، فَإِن لي فِيهِ شَيئًا يَقع بمحبتي، قَالَ: مَا أُرِيد غَيره، قَالَتْ: هُوَ لَك، قَالَ: فَأَخذه ودعا الفراشين فحملوا الصندوق فَمضى بِهِ إِلَى مَجْلِسه فَجَلَسَ وَلم يَفْتَحهُ وَلم ينظر مَا فِيهِ، فَلَمَّا جنه اللَّيْل دَعَا غُلَاما لَهُ أعجميا، فَقَالَ لَهُ: اسْتَأْجر أجراء غرباء لَيْسُوا من أهل الْمصر، قَالَ: فجَاء بهم فَأَمرهمْ فَحَفروا لَهُ حُفْرة فِي مَجْلِسه حَتَّى بلغ المَاء، ثُمَّ قَالَ: قَدِّموا لي الصندوق فألقي فِي الحفرة ثُمَّ وضع فَمه عَلَى شَفْرِهْ فَقَالَ: يَا هَذَا! قَدْ بلغنَا عَنْكَ الْخَبَر فَإِن يكن حَقًا فقد قَطعنَا أَثَره وَإِن يكن بَاطِلا فَإِنَّمَا دفنّا خَشَبًا، ثُمَّ أهالوا عَلَيْهِ التُّرَاب حَتَّى اسْتَوَى، قَالَ: فَلم ير وضاح الْيمن حَتَّى السَّاعَة، قَالَ: فَلا وَالله مَا بَان لَهَا فِي وَجهه وَلَا فِي خلائقه وَلَا فِي شَيْءٍ حَتَّى فرق الْمَوْت بَيْنَهُمَا.

<<  <   >  >>