وَقَول جرير: إِن كَانَ طبكم الدَّلال يَعْنِي الْخلق والطبع، كَمَا قَالَ الشَّاعِر.
وَمَا إِن طِبَّنا جُبْنٌ وَلَكِن ... مَنَايَانا وطُعْمَةُ آخرينا
يجوز فِيهِ طبكم الدَّلال، وطبكم الدَّلال لِأَنَّهُمَا معرفتان كَمَا قَالَ الفرزدق:
فقد شهِدت قيس فَمَا كَانَ نصرها ... قُتَيْبَة إِلَّا عضها بالأباهم
ويروى فَمَا كَانَ نصرها إِلَّا عضها، وَقَالَ آخر:
لقد علم الأقوام مَا كَانَ داؤها ... بثهلان إِلَّا الخزي مِمَّن يَقُودهَا
ويروى داءها إِلَّا الخزي، وَقَالَ آخر:
إِن يكن طبك الدَّلال فَهَلا ... ذَاك فِي الدَّهْر والسنين الخوالي
الْمجْلس الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ
وَفَاة أَبِي ذَر
حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ الْجَرِيرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ بُهْلُولٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن محمدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الأَشْتَرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ ذَرٍّ قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا ذرٍ الْوَفَاةُ بَكَيْتُ، فَقَالَ: مَا يبكيك؟ فَقلت: وَمَالِي لَا أَبْكِي وَأَنْتَ تَمُوتُ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ، وَلا يَدَ لِي بِدَفْنِكَ وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُنِي كَفَنًا لِي وَلا لَكَ؟ قَالَ: فَلَا تَبْكِي وَأَبْشِرِي فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لنفرٍ أَنَا فِيهِمْ: لَيَمُوتَنَّ مِنْكُمْ رَجُلٌ بفلاةٍ مِنَ الأَرْضِ يَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النَّفَرِ أَحَدٌ إِلا وَقَدْ هَلَكَ فِي قريةٍ وَجَمَاعَةٍ، وَأَنَا الَّذِي أَمُوتُ بفلاةٍ، وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِّبْتُ، فَأَبْصِرِي إِلَى الطَّرِيقِ، قَالَتْ قُلْتُ: أَنَّى وَقَدْ ذَهَبَ الْحَاجُّ وَانْقَطَعَ الطَّرِيقُ؟ قَالَ: اذْهَبِي فَتَبَصَّرِي، قَالَتْ: فَكُنْتُ أَذْهَبُ إِلَى كثيبٍ فَأَتَبَصَّرُ عَلَيْهِ وَأَرْجِعُ إِلَيْهِ فَأُمَرِّضُهُ، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذَا أَنَا برجالٍ عَلَى رِحَالِهِمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ، فَأَلَحْتُ بِثَوْبِي، فَأَقْبَلُوا إِلَيّ حَتَّى وفقوا عَليّ فَقَالُوا: مَالك يَا أَمَةَ اللَّهِ؟ فَقُلْتُ: امْرُؤٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَمُوتُ تُكَفِّنُونَهُ، قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قُلْتُ: أَبُو ذرٍ، قَالُوا: صَاحب رسلو اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَأَسْرَعُوا إِلَيْهِ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَرَحَّبَ بِهِمْ وَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِنَفَرٍ أَنَا فِيهِمْ: لَيَمُوتَنَّ مِنْكُمْ رَجُلٌ بفلاةٍ مِنَ الأَرْضِ يَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النَّفَرِ أَحَدٌ إِلا وَقَدْ هَلَكَ فِي قريةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ، وَأَنَا الَّذِي أَمُوتُ بِالْفَلاةِ، أَتَسْمَعُونَ؟ إِنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدِي ثَوْبٌ لِي يَسَعُنِي كفناً لي أَو لَا مرأتي لَمْ أُكَفَّنْ إِلا فِي ثوبٍ لي أَولهَا، أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ؟ إِنِّي أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَنْ يُكَفِّنَنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ كَانَ أَمِيرًا أَوْ عَرِيفًا أَوْ بَرِيدًا أَوْ نَقِيبًا، وَلَيْسَ مِنَ الْقَوْمِ أَحَدٌ إِلا وَقَدْ قَارَبَ بَعْضَ مَا قَالَ إِلا فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا عَمُّ أَنَا أُكَفِّنُكَ لَمْ أُصِبْ مِمَّا ذَكَرْتَ شَيْئًا، أُكَفِّنُكَ فِي رِدَائِي هَذَا وَفِي ثَوْبَيْنِ مِنْ عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي حَاكَتْهُمَا لِي، فَكَفَّنَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute