الْمجْلس التَّاسِع عَشْر
ائْتُونِي بسكين أشقه بَيْنكُمَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا فَجَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِأَحَدِهِمَا: فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا إِلَى سُلَيْمَانَ فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِسِكِّينٍ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى لِلصُّغْرَى بِهِ "، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا كُنْتُ أَقُولُ إِلا الْمُدْيَةَ.
قَالَ القَاضِي: السِّكِّين والمدية مَعًا اسمان لهَذِهِ الأداة الَّتِي تذبح الْحَيَوَان ويُنحر بهَا وهما موجودان فِي كَلَام الْعَرَب، ولعلَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يعرف السكين وَلم تكن من لُغَة قومه، فَأَما الْمُدية فمؤنثة بِحرف التَّأْنِيث الَّذِي فِيهَا وَهُوَ الْهَاء وَجَمعهَا مدى مثل زبية وزبى ورُقية ورقى وكنية وكنى، قَالَ الشَّاعِر:
من كلّ كوماء سَحُوف إِذَا ... جَفّتْ من اللَّحْم مُدَى الجازِرِ
وَقد اخْتلفت أَهْل الْعلم بِالْعَرَبِيَّةِ فِي تذكير السكين وتأنيثه، فَذكر بَعضهم وَأنكر تأنيثه، وأنثه آخَرُونَ وأبَوا تذكيره، وَأَجَازَ فريقٌ الْوَجْهَيْنِ مَعًا فِيهِ، وَهَذَا أولى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ عندنَا فِيهِ، لِأَن أُولِي الْمعرفَة بِهَذَا الْبَاب قَدْ حَكَوْها وَأتوا بشواهد رَدُّوها فِيهَا، وَأَنا ذاكرٌ مَا ورد فِي ذَلِكَ عَنْهُمْ بِمَشِيئَة اللَّه وتوفيقه.
قَالَ أَبُو حَاتِم السِّجِسْتانيّ: السكين تُذكر، قَالَ: وَسَأَلت أَبَا زَيْدُ الأَنْصَارِيّ والأصمعي وَغَيرهمَا مِمَّن أدركنا فكلُّهم يذِّكره وينكر التَّأْنِيث، قَالَ: أَنْشدني الْأَصْمَعِي للهذلي:
يُرى ناصحًا فِيمَا بَدَا وَإِذا خلا ... فَذَلِك سِكِّينٌ عَلَى الحَلْقِ حَاذِقُ
وَقَالَ أَبُو هفان: قَالَ أَبُو عُمَر الْجرْمِي فِي تذكير حاذق: هَذَا كَمَا يَقُولُ شَفْرة قَاطع وحاذق، وَامْرَأَة حَائِض وعاقر، قَالَ أَبُو بَكْر بْن الأنبَاريّ: وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِمَنْزِلَة ذَلِكَ، لِأَن الْحيض لَا يكون إِلَّا للنِّسَاء، والحذقُ يكون للمذكر والمؤنث فَلَا بُد فِيهِ من الْهَاء إِذَا وصف بِهِ الْمُؤَنَّث، وَهَذَا الْبَيْت يدل عَلَى تذكير السكين.
قَالَ القَاضِي: الَّذِي ذَكَرَه ابنُ الأنبَاريّ فِي تذكير لفظ حَائِض من العلَّة هُوَ مَذْهَب أَصْحَابه الكوفييَّن، وَقد خَالفه فِيهِ البصريّون عَلَى اخْتِلَاف بَينهم عَلَى تعْيين الْعلَّة سوى أَبِي حَاتِم السِّجستاني فَإِنَّهُ اخْتَار فِيهِ قَول الْكُوفِيّين، ولشرح هَذَا مَوضِع هُوَ أولى بِهِ. وَلَو سُلّم إِلَى ابْن الأنبَاريّ اعتلاله فِي حَائِض لَكَانَ مَا احْتج بِهِ أَبُو عُمَر الْجرْمِي من قَوْلهم شفرة قَاطع وحاذق كَافِيا فِيمَا استدلَّ بِهِ وَلم يَقُل أَبُو بَكْر فِي هَذَا شَيئًا وَلَا عرض للمعتل بطعن فِي اعتلاله، وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute