الْغُدر فملأت جرَّتها، فلمّا رفعتها وَمَضَت بِهَا رَمَت بالجرَّة فكسرتها، فَقَالَ معبد للأحوص: أرأيتَ مَا رأيتُ وَمَا صنعت هَذِه؟ قَالَ: نعم، فأرسلَ إِلَيْهَا الْأَحْوَص بعض غلمانه فَقَالَ: مَا حملكَ على مَا صنعت فقد رَأينَا الَّذِي صنعت؟ قَالَ: إِنِّي طربت، قَالَ: وَمَا أطربك؟ قَالَ: ذكرتُ صَوتا كُنَّا نغني بِهِ أَنا وَصَوَاحِب لي بِالْمَدِينَةِ فأطربني فَكسرت الجرَّة، قَالَ: وَمَا الصَّوْت؟ قَالَ:
يَا بَيت عَاتِكَة الَّذِي أتعزَّل ... حذر العدى وَبِه الْفُؤَاد موكَّل
قَالَ: ولِمَن هَذَا الشّعْر؟ قَالَ: للأحوص الأَنْصَارِيّ، قَالَ: فالغناء؟ قَالَت: لمعبد، فَقَالَا لَهَا: أفتعرفيننا؟ قَالَت: لَا، قَالَ: فَأَنا الْأَحْوَص وَهَذَا معبد، لمن كنت بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَت: لآل فلَان، اشتراني أهلُ هَذَا الْقصر فصرت هَاهُنَا مَا أرى أحدا غَيرهم، وَقَالَت: فإنَّ لي حَاجَة، قَالَا: مَا حَاجَتك؟ قَالَت لمعبد تغنيني، قَالَ الْأَحْوَص لمعبد: غنّها، قَالَ: فَجعلت تقترحُ ويغنيّها حَتَّى قَضَتْ حَاجَتهَا ثُمَّ قَالَا لَهَا: أتحبينَ أَن نعملَ لَك فِي الْخُرُوج من هَاهُنَا؟ قَالَت: نعم، فلمّا قدما على يزِيد بن عبد الْملك ودخلا عَلَيْهِ قَالَ لَهُ الْأَحْوَص: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي رأيتُ فِي مسيرنا عجبا، نزلنَا إِلَى البلقاء فَرَأَيْنَا جَارِيَة، وقصّ عَلَيْهِ قصَّتهَا قَالَ: أفتعرفها؟ قَالَ: نعم، فسمَّاها وَأَهْلهَا موضعهَا وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا الَّذِي أقولُ فِيهَا: "
إنَّ زينَ الغدير من كسر الجرَّ وغنى غنّاء فحلٍ مجيدِ
قلتُ من أَنْت يَا ظعينَ فَقَالَت ... كنتُ فِيمَا مضى لآل الوليدِ
ثُمَّ بدِّلت بعد حيِّ قريشٍ ... من بني عامرٍ لآلِ الوحيد
فغنائي لمعبدٍ ونشيدي ... لِفتى النَّاس الأحوصِ الصنديد
يعجز المالُ عَن شراكِ ولكنْ ... سَوف نُسْميك للهمام يزِيد
قَالَ: فَمضى لذَلِك مَا مضى، ثُمَّ دخلَ الْأَحْوَص ومعبد جَميعًا على يزِيد فَأخْرج إِلَيْهِمَا الْجَارِيَة ثُمَّ قَالَ لَهَا الْأَحْوَص: أوفينا لَك؟ قَالَت: نعم جزاكما الله خيرا.
من هِيَ عَاتِكَة الَّتِي يذكرهَا الْأَحْوَص
قَالَ أَبُو عَليّ وحدَّثني مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الذارع قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيد بن هِشَام قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بن مُحَمَّد الأَنْصَارِيّ أَن عَاتِكَة الَّتِي ذكر الْأَحْوَص بَيتهَا هِيَ عَاتِكَة بنت يزِيد بن مُعَاوِيَة، وإنَّما كنى عَن امرأةٍ سمّاها غَيرهَا، وَكَانَ يشبّب بِهَا فَذكر عَاتِكَة وبيتها، لِأَن بيتَ عَاتِكَة كَانَ إِلَى جنب بَيت تِلْكَ الْمَرْأَة، وَقد أدخلا جَميعًا فِي مَسْجِد رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تَعْلِيق وَشرح
قَالَ القَاضِي: الَّذِي حُكِيَ عَن الْأَحْوَص فِي هَذَا الْخَبَر من سَعْيه فِي أَمر اللهبي وَالْكذب عَلَيْهِ وَإِضَافَة مَا لَيْسَ فِيهِ إِلَيْهِ من ألأم الْأَخْلَاق وأفحشها، وأقبح الْمذَاهب وأوحشها،