فَإِذا سوادٌ مقبل فأخْمرا راحلتيهما، قَالَ ابْن دُرَيْد: أَي وارياها تَحت الشّجر، قَالَ القَاضِي: وَهُوَ الخَمْر، قَالَ الشَّاعِر:
أَلا يَا زَيْدُ والضَّحّاكُ سِيرا ... فقد جَاوَزْتُما خَمْر الطريقِ
وطلعا دوحة فتغيبا فِي شعابها فَإِذا صِرْمةٌ زُهْرٌ كالصوار يَحْدُوها عبدٌ اسود وَهُوَ يَقُولُ:
رُوحِي إِلَى خَيرِ أَبِي المعارك ... لمبركٍ من أرحب الْمُبَارك
فَإِن بَيت أضيافه هُنَالك ... فأبشري بِوَقع عضبٍ بَاتِك
يبترُ مِنْك أسْوُقَ البَوَائِك
فَمَا غَابَ الأوّل عَنْ أَعيننَا حَتَّى بَدَتْ صِرمةٌ أُخْرَى يحدُوها عَبْد أسود، وَهُوَ يَقُولُ:
رُوحِي إِلَى مبركك الدَّمَاثِر ... إِلَى فَتَى كُهبان والمهاجرِ
وعصمةٍ المعترِّ والْمُهاجر ... واللَّيثِ فِي الْيَوْم الْعُماسِ الخادِر
قَالَ ابْن دُرَيْد: العماس الشَّديد -
فَإِن منيتِ بمُضاف زائر ... فأيْقِني بِوَقع عضبٍ باتِر
ثُمَّ اعتراقٍ بشفارٍ جَازِر ... مخطرفٍ للجِلَّةِ البَهَازِر
فَلَمّا غَابَ الراعيان عَنْ أَعيننَا خرجنَا نقتفي آثَار الْإِبِل، حَتَّى قربنا من الْحلَّة فأنخنا فَلَمّا هدأت الرَّجل خرجنَا مصلتين حَتَّى انتهينا إِلَى المبرك فاستُثَرْنا من إطراره صِرْمه فشَلَلْناها ليلتنا، حَتَّى إِذَا انحسر خدرُ اللَّيْل وذرَّ الشُّروقُ إِذَا شبحٌ يهوى إِلَيْنَا هَوِيَّ الْعُقاب، فَمَا ارتدَّ الطَّرفُ حَتَّى أَثْبَتْنَاهُ نَظَرًا، فَإِذا رَجُل عَلَى نَاقَة كَأَنَّهَا ظَبْي صَرَع، قَالَ القَاضِي: الصَّرَع الَّذِي بَيْنَ الْكَبِير وَالصَّغِير، قَالَ الْأَعْشَى يصفُ وَعْلا:
قَدْ يتْرك الدَّهْرُ فِي خَلْقَاءَ راسيةٍ ... وَهْيًا ويُنزِلُ مِنْهَا الأعْصَمَ الصّرَعا
فأيَّةَ بالصِّرمة فانكفأتْ رَاجِعَة، فأقبلنا نَصُورها أَي نَعْطفها ونُمليها كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
وفرعٍ يُصِيرُ الْجِيدَ وحفٍ كَأَنَّهُ ... على اللّيْتِ قِنوانُ الْكُرُوم الدوالحُ
وَقَالَ الشَّاعِر:
وجَاءَتْ خلعةٌ دهسٌ صَفَايا ... يَصُور عُنوقها أحْوَى زَنِيمُ
وَيُقَال أَيْضا: صَار يصير كَمَا قَالَ الشَّاعِر: وَفرع يصير ... الْبَيْت وَقد قرئَ: فَصُرْهُنَّ إِلَيْك وقصرهن.. وَالْمعْنَى الْميل، وَقيل: الْقطع، وَبَيَان هَذَا فِي كتبنَا فِي عُلُوم الْقُرْآن مستقصاة.
رَجَعَ الحَدِيث، وَهِي سُرَع إِلَى تأييهه، فَلَمّا دنا منا قَالَ: خَلِّيا عَنْهَا لَا أم لَكمَا، فَقُلْنَا: وَلَا نُعْمَى عين، وبوأنا لَهُ سَهْمَيْنِ فأقحم من رَاحِلَته كالوعل المذعور، وانتضى سيفَه وثَنّى رَأسه فِي دَرَقته، فوَاللَّه مَا أرسلنَا سهمينا حَتَّى خالطَنَا، فَضرب عُرقوبي نَاقَة صَاحِبي