يَا حبذا جبل الريان من جبل ... وحبذا سَاكن الريان من كَانَا
قَالَتْ: فَهَلا فدتك النَّفس أحسن من ... هَذَا لمن كَانَ صب الْقلب حيرانا
يَا قوم أُذُنِي لبَعض الْحَيّ عاشقة ... وَالْأُذن تعشق قبل الْعين أَحْيَانًا
فَقلت: أَحْسَنت أَنْت الشَّمْسُ طالعة ... أضرمت فِي الْقلب والأحشاء نيرانا
فأسمعينا غناء مطربًا هزجًا ... يزِيد حبا محبا فِيك أشجانا
يَا لَيْتَني كنت تفاحًا تمخضه ... وَكنت من قضب الريحان ريحانا
حَتَّى إِذَا وجدت ريحي فأعجبها ... وَكنت فِي خلْوَة مثلت إنْسَانا
فحركت عودهَا ثُمَّ انْثَنَتْ طَربا ... تبدي الترنم لَا تخفيه كتمانا
أَصبَحت أطوع خَلْق اللَّه كلهم ... نفسا لأكْثر خَلْقٌ اللَّه عصيانا
فَقلت: أطربينا يَا زين مَجْلِسنَا ... فغننا، أَنْت بِالْإِحْسَانِ أولانا
فغنت الشّرْب صَوتا مؤنقًا رصفا ... يُذكي السرُور ويبكي الْعين أَحْيَانًا
لَا يقتل اللَّه من دَامَت مودته ... وَالله يقتل أَهْلَ الْغدر من كَانَا
قَالَ القَاضِي: قَول بشار فِي هَذَا الشّعْر: حَتَّى إِذا وددت ريحي فأعجبها، عَلَى لفظ التَّذْكِير وَالرِّيح مُؤَنّثَة، وَقد يكن فعل هَذَا فِي ضَرُورَة الشّعْر وَجعل الضَّمِير الَّذِي فِي - فأعجبها - عَائِدًا عَلَى الرّيح وَهِي مُؤَنّثَة، إِمَّا لِأَن تأنيثها لَيْسَ بحقيقي، وَإِمَّا لأنَّه أَرَادَ بقوله: ريحي نسيمي وَنَحْوه، وَقد جَاءَ فِي الشّعْر مثله كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
فَلا مُزْنَةَ وَدَقَتْ وَدَقَهَا ... وَلا أَرض أبقل أبقالها
وَقد اختف النحويون فِي الْفرق بَيْنَ التَّأْنِيث الْحَقِيقِيّ والتأنيث الَّذِي هُوَ غَيْر حَقِيقِيّ فَقَالَ بَعضهم: التَّأْنِيث الَّذِي هُوَ حَقِيقِيّ مَا لَا يُطلق لَفظه عَلَى مذكّره لاخْتِصَاص مؤنثه بِلَفْظِهِ كامرأة وناقة، وأمّا التَّأْنِيث الَّذِي لَيْسَ بحقيقي، فكقولهم شَاة للذّكر من هَذَا النَّوْع وَالْأُنْثَى، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
فَلَمّا أَضَاء الصبحُ قَامَ مبادرًا ... وَكَانَ انطلاق الشَّاة من حَيْث خيما
قيل إِن الشَّاة هَا هُنَا الثور، وَقَوله دابَّة وحية لذكرهما وأنثاهما، وَهَذَا مَذْهَب الْكُوفِيّين، فَأَما البصريُّون فيَروْن الْفَصْل بَيْنَ هذَيْن التأنيثين ومقابلهما من التذكيرين من قَبْلَ اخْتِلَافهمَا من جِهَة الْفروج الْمُخْتَلفَة فيهمَا، كَرجل وَامْرَأَة وجمل وناقة وفتى وفتاة، وَفِي تذكير بشار الْمُضمر فِي قَوْله فأعجبها وجهٌ آخر حَسَن لَيْسَ فِيهِ مَا فِي الْوَجْه الَّذِي قدمنَا ذكره من الضَّرُورَة، وَهُوَ جَائِز مطّرد فِي النثر وَالشعر، وَلم أر أحدا مِمَّن يتعاطى هَذَا الشَّأْن من أَهْلَ الْعلم وَالْأَدب أَتَى بِهِ وَهُوَ أَن يكون لمّا قَالَ: وجدت ريحي فَلم يستو لَهُ التَّأْنِيث