اخْتِلاف فِي معنى الصَّمحمح من جِهَة اللُّغَة وَفِي وَزنه من الْفِعْل عَلَى الطَّرِيقَة القياسية، فَأَما اللُّغويون فَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَذهب سِيبوَيْه وَمن قَالَ بقوله: إنَّه الشديدُ الغليظ الْقصير وَهُوَ صفة، ويُقَالُ أَيْضا للغليظ الشَّديد: دَمَكْمَك، وقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: الصَّمحمح: المحلوق الرَّأْس، وَأنْشد:
صمحمحٌ قَدْ لاحَهُ الهَوَاجِرُ
وقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن يَحْيَى: الصَّمحمح: الأصلع.
وَاخْتلف النحويون فِي وزن صمحمح من الْفِعْل، فَقَالَ سِيبوَيْه وَمن يسْلك سَبيله من الْبَصرِيين: هُوَ فَعَلْعل، وقَالَ الفَرَّاءُ وأتباعُه من الكوفيِّين: هُوَ فَعَلَّل مثل: سفرجل، وَكَذَلِكَ دَمَكْمَك، ولكلِّ فريقٍ مِنْهُم اعتلالٌ فِي قَوْله، وطعنٌ فِي مَذْهَب خَصْمه.
فَأَما الفراءُ فَإنَّهُ احْتج بِأَن قَالَ: لَو جَازَ أَن يَكُون صمحمح عَلَى فعلعل لتكرير لفظ الْعين وَاللَّام، لجَاز أَن يَكُون صَرْصَر عَلَى فَعْفَع، وسَجْسَج لتكرير لفظ الْفَاء، فَلَمَّا بَطَل أَن يَكُون صَرْصَر عَلَى فَعْفَع بَطل أَن يكون صمحمج عَلَى فعلعل.
وَالَّذِي قَالَه سِيبوَيْه هُوَ الصَّحِيح الَّذِي يشهدُ القياسُ بتصويبه، وَذَلِكَ أَن مُوَافقَة الْحَرْف المتكرر الْحَرْف الْمُتَقَدّم فِي صورته يُوجب مُوَافَقَته فِي الْحَكَم عَلَى وَزنه إِذا استوفى فِي وزن الْكَلِمَة الَّتِي هِيَ فَاء الْفِعْل وعينه ولامه، مَا لم يلجىء إِلَى خلاف هَذَا حجةٌ كالقصور عَنِ استكمال هَذِهِ الْحُرُوف، وَالْحَاجة إِلَى إتْمَام الْكَلِمَة بِاخْتِصَار حُرُوف الْفِعْل، فَلهَذَا قُضِيَ عَلَى " صَرْصَر " بِأَنَّهُ " فَعْلَل "، وَلَمْ يَجُزْ حمله عَلَى " فَعْفَع " لِأَنَّهُ لَو حُمِل عَلَى هَذَا بَطل التَّمامُ لعدم اللّام، وَإِذَا جعلت عين الْفِعْل فِي صمحمح مكررة لَمْ يفْسد الْكَلَام، وَتمّ مَعَ إِقَامَة الْقيَاس واستقام، وَقَدْ قَالَ بعض من احتجَّ بِهَذَا من أَصْحَاب سِيبوَيْه: أَلا ترى أَنَا نجْعَل إِحْدَى الرَّاءين فِي احمرَّ زَائِدَة، وَلا نجْعَل إِحْدَى الرَّاءين فِي مَرَّ وكَرَّ زَائِدَة لأنّا لَو جعلنَا أَحَدهمَا زَائِدَة بَطل عين الْفِعْل أَوْ لامه.
وَقَالُوا: مِمَّا يُبطل قَول الفَرَّاء، قَوْلهم: " خُلَعْلَع " وَهُوَ الْجُعَلُ، لَو سلكنا بِهِ مَذْهَب " سَفَرْجل " لَمْ يَكُنْ لَهُ نظيرٌ فِي كَلَام الْعَرَب، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامهم مثل سُفَرْجَل، قَالُوا: وَفِي خُرُوجه عَن أبينة كَلَام الْعَرَب دليلٌ عَلَى زِيَادَة الْحَرْف فِيهِ.
وَزعم الفَرَّاء أَن اخْلَوْلق: افْعَوْعل، فكرَّر العينَ وَلَمْ يَجعله افعولل أَو افعلَّل، وقَالَ بعض من احْتج لسيبويه بِهَذَا، وَأنكر قَول الفَرَّاء إِن قَالَ قائلٌ: لَيْسَ فِي الْأَفْعَال افعلَّل، قِيلَ لَهُ: يلْزم الفَرَّاء أَن يَجْعَلهَا افعلل وَلا يَجعله افعوعل وَلا يُكَرر الْعين، إِذا كَانَ قَدْ أنكر تَكْرِير الْعين فِيمَا ذكرنَا.
وَفِي استقصاء القَوْل فِي هَذِهِ الْكَلِمَة ونظيرها وذُكِر اخْتِلاف النَّحْوِيين فِي أصل الْبَاب الَّذِي يشْتَمل عَلَيْهَا طولٌ يضيق عَنْهُ قدْرُ مجلسٍ بأسره من مجَالِس هَذَا الْكتاب، وَلَهُ مَوضِع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute