أَيّ من هلك.
وقَالَ الْكسَائي: فَاظَ هُوَ نَفْسُه، وأَفَظْتُهُ أَنَا نَفْسَه، قَالَ: وقَالَ أَبُو عُبَيْدة: وَمن الْعَرَب من يَقُولُ فاضت نَفسه بالضاد، وَأنْشد لبَعض الرُّجَّاز:
اجْتمع النّاس وَقَالُوا عُرْسُ ... زَلَحْلَحَاتٌ مائراتٌ مُلْسُ
فَفُقِّئتْ عينٌ وفاضَتْ نفسُ ... إِذا قصاعٌ كالأكُفِّ خَمْسُ
قَالَ: وقَالَ الْكسَائي: ناسٌ من تَمِيم يَقُولُونَ: فاضت نَفسه تفيض.
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن الْأَنْبَارِي، قَالَ: وحَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عُبَيْد، عَنْ أبي عُبَيْدة، قَالَ: أَتَيْنَا رَجُلا من بني مَخْزُوم، وَكَانَ مَوْلَى ضاحية بني تَمِيم، فَوَافى دُكَيْنُ الراجز، فَقَالَ: للبواب: إِنِّي أُلاع إِلَى السجْن أدْخِلني، فَأبى البواب أَن يُدْخِلَه، فَوقف دُكَيْن الراجز عَلَى دكانٍ وَقَد انْصَرف بعضُ الْقَوْم، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
اجْتمع النَّاس وقَالُوا عُرْسُ ... إِذا قصاع كالأكَفِّ خَمْسُ
زَلَحْلَحاتٌ قَدْ جُمِعْنَ مُلْسُ ... فَفُقِّئَتْ عينٌ وفاظت نفسُ
فَقَالَ لَهُ البواب: من أَنْت لَا حيَّاك اللَّه؟ قَالَ: أَنَا دُكَيْنُ الراجز، فَأدْخلهُ.
قَالَ أَبُو بَكْر، قَالَ لي أَبِي، قَالَ أَحْمَد بْن عُبَيْد: أُلاع مَعْنَاهُ: أتوقَّدُ حِرصًا عَلَيْه، ويحترق فُؤَادِي طلبا لَهُ، قَالَ القَاضِي: من هَذَا قَول الْأَعْشَى:
ملمعٍ لاعَةِ الْفُؤَاد عَلَى الجح ... ش فَلاهُ عَنْهَا فَبِئْسَ الفَالي
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الزَّلَحْلحات: الَّتِي تجول وَتذهب فكَأَنَّها لَا تَقَرُّ فِي مَوضِع وَاحِد - وَجرى بَيْنَ الْأَصْمَعِي وَأبي عُبَيْدة فِي هَذَا الْبَاب تَشَاجُرٌ ومُنَازَعة - وفاظت نفس، فَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْعَرَب لَا تَقُولُ: فاظت نَفسه وَلا فاضت نَفسه، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: فاظ الرَّجُل إِذا مَاتَ وطَنَّ الضِّرس.
وقَالَ أَبُو عُبَيْدة: كذب الْبَاهِلِيّ - يَعْنِي الْأَصْمَعِي -: مَا هُوَ إِلا فاظت نفس.
قَالَ القَاضِي: قَول الْأَصْمَعِي: وطنَّ الضِّرس إخبارٌ مِنْهُ، لِأَن الرِّوَايَة الصَّحِيحَة فِي تَمام هَذَا الْبَيْت: وَطن الضرس مَكَان وفاظت نفس، وَقَدْ أَتَى فِي هَذَا أَربع رِوَايَات: فاظت نفسٌ وفاضت نفسٌ، وَطن الضرس وطَنَّتْ ضرس، وَاسْتشْهدَ بِهَذِهِ الرِّوَايَة من رَأَى تَأنيث الضِّرس عَلَى معنى تَأْنِيث السِّنِّ.
وقَالَ أَبُو حَاتِم فِي الضرس: رُبمَا أنَّثوه عَلَى معنى السِّنِّ، قَالَ: وَأنكر الْأَصْمَعِي تأنيثه، قَالَ: وأنشدنا قَول دُكَيْن الراجز: ففقئت عينٌ وطنت ضِرسُ إِنَّمَا هُوَ: وطَنّ الضرس، قَالَ: فَلم يفهمهُ الَّذِي سَمعه، وَأَخْطَأ سَمعه.
قَالَ أَبُو بَكْر: قَالَ أَصْحَاب الْكسَائي والفَرَّاء وَمن نقل عَنْهُمَا، فَقَالَ: فاضت نَفسه