الْمَرْأَةَ لِدِينِهَا وَجَمَالِهَا وَكَمَالِهَا كَانَ فِيهِ سِدَادٌ مِنْ عَوَزٍ " وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ وَاسْتَوَى، وَقَالَ: يَا نَضْرُ! السَّدَادُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لحنٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ، وَإِنَّمَا لَحَنَ هُشَيْمٌ، فَقَالَ لي: ماالفرق بَيْنَ السَّدَادِ وَالسِّدَادِ، قُلْتُ: السَّدَادُ: الْقَصْدُ فِي الدِّينِ وَالسَّبِيلِ، وَالسِّدَادُ: الْبُلْغَةُ فِي الشَّيْءِ أَسُدُّ بِهِ الشَّيْءَ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُ ذَلِكَ الْعَرَبُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، هَذَا الْعَرْجِيُّ مِنْ وَلَدِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، يَقُولُ:
أَضَاعُونِي وأَيَّ فَتًى أَضَاعُوا ... لِيَوْمِ كريهةٍ وَسِدَادِ ثَغْرِ
كَأَنِّي لَمْ أَكُنْ فِيهِمْ وَسِيطًا ... وَلَمْ تَكُ نِسْبَتِي فِي آلِ عَمْرٍو
فَأَطْرَقَ طَوِيلا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ مَنْ لَا أَدَبَ لَهُ، ثُمَّ تَجَاذَبَا الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ اللَّحْنَ، قُلْتُ: مَا لَحَنَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا لَحَنَ هُشَيْمٌ، وَكَانَ هُشَيْمٌ لَحَّانَةً، فَتَبِعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَلْفَاظَهُ، قَالَ: وَكَيْفَ رِوَايَتُكَ الشِّعْرَ، قُلْتُ: قَدْ رَوَيْتُ الْكَثِيرَ مِنْهُ، قَالَ: فَأَنْشِدْنِي فِي أَحْسَنِ مَا قَالَتِ الْعَرَبُ فِي الْحِكَمِ، فَأَنْشَدْتُهُ:
إِذَا كَانَ دُونِي مَنْ بُلِيتُ بِجَهْلِهِ ... أَبَيْتُ لِنَفْسِي أَنْ أُقَابِلَ بِالْجَهْلِ
وَإِنْ كَانَ مِثْلِي فِي مَحَلِّي مِنَ الْعُلا ... هَوَيْتُ إِذًا حِلْمًا وَصَفْحًا عَنِ الْمَثْلِ
وَإِنْ كُنْتُ أَدْنَى مِنْهُ فِي الْفَضْلِ وَالْحِجَا ... فَإِنَّ لَهُ حَقَّ التَّقَدُّمِ وَالْفَضْلِ
قَالَ: مَا أحسن مَا قَالَ! فَأَنْشِدْنِي أَحْسَنَ مَا قَالَتِ الْعَرَبُ فِي الْحَزْمِ، فَأَنْشَدْتُهُ:
عَلَى كُلِّ حالٍ فَاجْعَلِ الْحَزْمَ عُدَّةً ... لِمَا أَنْتَ بَاغِيهِ وَعَوْنًا عَلَى الدَّهْرِ
فَإِنْ نِلْتَ أَمْرًا نِلْتَهُ عَنْ عزيمةٍ ... وَإِنْ قَصَّرَتْ عَنْهُ الْحُقُوقُ فَفِي عُذْرِ
فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ! فَأَنْشِدْنِي مَا قَالَتِ الْعَرَبُ فِي إِصْلاحِ الْعَدُوِّ، حَتَّى يَكُونَ صَدِيقًا فَأَنْشَدْتُهُ:
وَذِي غَيْلَةٍ سَالَمْتُهُ فَقَهَرْتُهُ ... فَأَوْقَرْتُهُ مِنِّي بِعِبْءِ التَّجَمُّلِ
وَمَنْ لَا يُدَافِعُ سَيِّئَاتِ عَدُوِّهِ ... بِإِحْسَانَهِ لَمْ يَأْخُذِ الطُّولِ مِنْ عَلِ
وَلَمْ أَرَ فِي الأَشْيَاءِ أَسْرَعَ مَهْلَكًا ... لضغنٍ قديمٍ من وادٍ مُعَجَّلِ
قَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ! فَأَنْشِدْنِي أَحْسَنَ مَا قَالَتِ الْعَرَبُ فِي السُّكُوتِ، فَأَنْشَدْتُهُ:
إِنِّي لَيَهْجُرُنِي الصَّدِيقُ تَجَنُّبًا ... فَأُرِيهِ أَنَّ لِهَجْرِهِ أَسْبَابَا
وَأَرَاهُ إِنْ عَاقَبْتُهُ أَغْرَيْتُهُ ... فَيَكُونَ تَرْكِي لِلْعِتَابِ عِتَابَا
وَإِذَا بُلِيتُ بجاهلٍ مُتَحَكِّمٍ ... يَجِدُ الْمُحَالَ مِنَ الأُمُورِ صَوَابَا
أَوْلَيْتُهُ مِنِّي السُّكُوتَ وَرُبَّمَا ... كَانَ السُّكُوتُ عَنِ الْجَوَابِ جَوَابَا
ثُمَّ قَالَ: مَا مَالُكَ؟ قُلْتُ: أريضةٌ بِمَرْوِ الرُّوذِ أَتَمَزَّزُهَا، قَالَ: أَفَلا نُفِيدُكَ مَالا؟ قُلْتُ: إِنْ رَأَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ، فَدَعَا بدواةٍ وقرطاسٍ وَكَتَبَ، وَلا أَدْرِي مَا كَتَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُتْرِبَ الْكِتَابَ كَيْفَ تَأْمُرُ، قُلْتُ: يَا غُلام أَتْرِبِ الْكِتَابَ، قَالَ: فَهُوَ مَاذَا؟ قُلْتُ: