للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَأَنْتُمْ أَخْوَالُ الْمُلُوكِ مِنْ كِنْدَةَ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَأَنْتُمْ أَصْهَارُ الْمُلُوكِ مِنْ لخمٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَلَسْتُمْ أَنْتُمْ ذُهَلُ الأَكْبَرُ أَنْتُمْ ذُهَلُ الأَصْغَرُ. فَقَامَ إِلَيْهِ غُلامٌ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ يُقَالُ لَهُ دعفل حِينَ بَقَلَ وَجْهُهُ، فَقَالَ:

إِنَّ عَلَى سَائِلِنَا أَنْ نَسْأَلَهْ ... وَالْعِبْءُ لَا تَعْرِفُهُ أَوْ تَحْمِلُهْ

يَا هَذَا إِنَّكَ قَدْ سَأَلْتَنَا فَلَمْ نَكْتُمْكَ شَيْئًا، فَمِمَّنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: بخٍ بخٍ أَهْلُ الشَّرَفِ وَالرِّئَاسَةِ، فَمِنْ أَيِّ قريشٍ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: أَمْكَنْتَ وَاللَّهِ الرَّامِيَ مِنْ صَفَا الثَّغْرَةِ، فَمِنْكُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلابٍ الَّذِي جَمَعَ اللَّهُ بِهِ الْقَبَائِلَ مِنْ فهرٍ فَكَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِنْكُمْ هَاشِمٌ الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ وَرِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِنْكُمْ شَيْبَةُ الْحَمْدِ مُطْعِمُ طَيْرِ السَّمَاءِ الَّذِي كَأَنَّ وَجْهَهُ قَمَرٌ يُضِيءُ لَيْلَةَ الظَّلامِ الدَّاجِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَمِنَ الْمُفِيضِينَ بِالنَّاسِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَمِنْ أَهْلِ النَّدْوَةِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَفَمِنْ أَهْلِ الْحِجَابَةِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَمِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فاجتذب أبنو بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زِمَامَ نَاقَتِهِ فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ دَغْفَلٌ:

صَادَفَ دَرْءُ السَّيْلِ دَرْءًا يَدْفَعُهُ ... يَهْضِبُهُ يَرْفَعُهُ أَوْ يَصْدَعُهُ

وَايْم الله لَو بثت لأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ مِنْ زَمَعَاتِ قُرَيْشٍ أَوْ مَا أَنَا بِدَغْفَلٍ. قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عَلِيٌّ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بكرٍ وَقَعْتَ مِنَ الأَعْرَابِيِّ عَلَى باقعةٍ، قَالَ: أَجَلْ. إِنَّ فَوْقَ كُلِّ ذِي طامةٍ طَامَّةٌ وَالْبَلاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ. قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: ثُمَّ دَفَعَنَا إِلَى مجلسٍ آخَرَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَسَلَّمَ، فَرَدُّوا عَلَيْهِ السَّلامَ، فَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: مِنْ بَنِي شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَالْتَفَتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ بَعْدَ هَؤُلاءِ عِزٌّ فِي قومٍ. وَكَانَ فِي الْقَوْمِ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو وَهَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ وَالْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ وَالنُّعْمَانُ بْنُ يَزِيدَ. وَكَانَ مَفْرُوقُ بْنُ عمروٍ قَدْ عَلاهُمْ جَمَالا وَلِسَانًا، وَكَانَتْ لَهُ غَدِيرَتَانِ تَسْقُطَانِ عَلَى تَرِيبَتِهِ، وَكَانَ أَدْنَى الْقَوْمِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ الْعَدَدُ فِيكُمْ؟ قَالَ: إِنَّا لَنَزِيدُ عَلَى ألفٍ وَلَنْ نُغْلَبَ عَنْ قِلَّةٍ، قَالَ: فَكَيْفَ الْمَنْعَةُ فِيكُمْ؟ قَالَ: عَلَيْنَا الْجَهْدُ وَلِكُلِّ قَوْمٍ حَدٌّ، قَالَ: فَكَيْفَ الحربُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّكُمْ؟ قَالَ: إِنَّا أَشَدُّ مَا نَكُونُ غَضَبًا حِينَ نَلْقَى وَأَشَدُّ مَا نَكُونُ لِقَاءً حِينَ نَغْضَبُ، وَإِنَّا نُؤْثِرُ جِيَادَنَا عَلَى أَوْلادِنَا، وَالسِّلاحَ على اللقَاح، النَّصْر مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى يُدِيلُنَا لَنَا وَعَلَيْنَا، لَعَلَّكَ أَخُو قُرَيْشٍ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ بَلَغَكُمْ أَنَّهُ رَسُول الله فها هوذا فِي الرَّحْلِ، قَالَ: قَدْ بَلَغَنَا أَنه يَقُول ذَلِك. قَالُوا: فَإلَى مَا تَدْعُو يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْعُوكُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَأَنْ تُؤْوُونِي وَتَنْصُرُونِي، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ ظَاهَرُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ، وَاسْتَغْنَوْا بِالْبَاطِلِ عَنِ الْحَقِّ، وَهُوَ اللَّهُ الْغَنِيّ الحميد، قَالَ فَإلَى مَا تَدْعُو أَيْضًا؟ قَالَ: (فَتَلا عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وبالوالدين إحساناً " إِلَى قَوْله: " ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ " " الْأَنْعَام:١٥١ " قَالُوا: وَإِلَى مَا تَدْعُو أيضاص؟ قَالَ: فَتَلا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكر وَالْبَغي " النَّحْل: ٩٠ الْآيَة. فَقَالَ مَفْرُوقُ بْنُ عمروٍ: دَعَوْتَ وَاللَّهِ إِلَى مَحَاسِنِ الأَعْمَالِ وَمَكَارِمِ الأَخْلاقِ وَلَقَدْ أَفِكَ قَوْمٌ ظَاهَرُوا عَلَيْكَ وَكَذَّبُوكَ. وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي الْكَلامِ هَانِئَ بْنَ قَبِيصَةَ فَقَالَ وَهَذَا هَانِئُ بْنُ قبيضة، وَهُوَ شَيخنَا وَصَاحب حبنا، فَتَكَلَّمَ هَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ فَقَالَ: يَا أَخَا قُرَيْشٍ قَدْ سمعتُ مَقَالَتك، وَإِن لَنَرَى تَرْكَنَا دِينَنَا وَاتِّبَاعَنَا دِينَكَ لِمَجْلِسٍ جَلَسْتَهُ مِنَّا لَمْ نَنْظُرْ فِي أَمْرِكَ وَلَمْ نَتَثَبَّتْ فِي عَاقِبَةِ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَلَهًا فِي الرَّأْيِ وَإِعْجَالا فِي النَّظَرِ، وَالْوَلَهُ يَكُونُ مَعَ الْعَجَلَةِ، وَمِنْ وَرَائِنَا قوم نكره أَن تعقد عَلَيْهِمْ عَقْدًا، وَلَكِنْ نَرْجِعُ وَتَرْجِعُ، وَنَنْظُرُ وَتَنْظُرُ. وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي الْكَلامِ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ فَقَالَ: وَهَذَا شَيْخُنَا وَكَبِيرُنَا وَصَاحِبُ حَرْبِنَا، فَتَكَلَّمَ الْمُثَنَّى فَقَالَ: يَا أَخَا قُرَيْشٍ قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ، فَأَمَّا الْجَوَابُ فَهُوَ جَوَابُ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ، وَأَمَّا أَنْ نُؤْوِيَكَ وَنَنْصُرَكَ فَإِنَّا نَزَلْنَا بَيْنَ صيرين: الْيَمَامَة السمامة. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا هَذَانِ الصِّيرَانِ؟ فَقَالَ: مِيَاهُ الْعَرَبِ وَأَنْهَارُ كِسْرَى، فَأَمَّا مَا كَانَ مِمَّا يَلِي مِيَاهَ الْعَرَبِ فَذَنْبُ صَاحِبِهِ مَغْفُورٌ وَعُذْرُهُ مَقْبُولٌ، وَأَمَّا مَا يَلِي أَنْهَارَ كِسْرَى فَذَنْبُ صَاحِبِهِ غَيْرُ مَغْفُورٍ، وَعُذْرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَإِنَّمَا نَزَلْنَا عَلَى عَهْدٍ أَخَذَهُ عَلَيْنَا كِسْرَى أَنْ لَا نُحْدِثَ حَدَثًا وَلا نُؤْوِيَ مُحْدِثًا، وَلَسْنَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الأَمْرُ الَّذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ مِمَّا يَكْرَهُ الْمُلُوكُ، فَإِن أَحْبَبْت أَن تؤويك مِمَّا يَلِي مِيَاهَ الْعَرَبِ آوَيْنَاكَ وَنَصَرْنَاكَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَسَأْتُمُ الرَّدَّ إِذْ أَفْصَحْتُمْ بِالصِّدْقِ، وَلَيْسَ يَقُومُ بِدِينِ اللَّهِ إِلا مَنْ حَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ، أَرَأَيْتُمْ إِنْ لَمْ تَلْبَثُوا إِلا قَلِيلا حَتَّى يَمْنَحَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْوَالهم ويفرشكم نِسَاءَهُمْ يورثكم دِيَارَهُمْ، أَتُسَبِّحُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَتُقَدِّسُونَهُ؟ فَقَالَ النُّعْمَانُ: هَذَا لَكَ، فَتَلا

<<  <   >  >>