وُجُوه الْإِعْرَاب فِي وأبعث
قَالَ القَاضِي أَبُو الْفرج وأبعث فِيهِ من جِهَة الْأَعْرَاب ثَلَاثَة أوجه: الْجَزْم على الْعَطف إِلَّا أَنه لَا يسْتَعْمل فِي هَذَا الْموضع لإِقَامَة وزن الْبَيْت، وَالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف، وَالنّصب بإضمار أَن وَالتَّقْدِير: يكون مني هيج فأبعث، فَلَا يعْطف أبْعث على هيج لِأَن هيج مصدر وأبعث فعل فتقدر أَن إِذْ هِيَ وَالْفِعْل مصدر، فَيصح حِينَئِذٍ عطف الثَّانِي على الأول لِأَنَّهُ عطف اسمٍ على اسمٍ، ويسمي الْكُوفِيُّونَ هَذَا الْوَجْه الصّرْف لِأَنَّهُ صرف عَن الْجَزْم؛ وَقد جَاءَ هَذَا كثيرا فِي الْقُرْآن وَالشعر؛ قَالَ الله تَعَالَى: " إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ " مُحَمَّد: ٧ فَجزم الثَّانِي على الْعَطف. قَالَ تَعَالَى: " وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ من يَشَاء " الْبَقَرَة: ٢٨٤ فقرىء فَيغْفر ويعذب جزما ورفعًا ونصبًا، وَقَرَأَ القرأة: " أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ، وَيَعْلَمَ الَّذِينَ " الشورى: ٣٤، ٣٥ بِالرَّفْع وَالنّصب فِي يعلم. وقرىء: " وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ " آل عمرَان:١٤٢ على النصب والجزم. وَقَوْلهمْ لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن بِالنّصب إِذْ أُرِيد بِهِ النَّهْي عَن الْجمع بَينهمَا دون الْإِفْرَاد، وَإِن أُرِيد النَّهْي عَن كل واحدٍ مِنْهُمَا فالجزم هُوَ الْكَلَام. وَقد أَتَى كثير من هَذَا فِي الشّعْر، قَالَ الشَّاعِر:
فَإِن لم أصدق ظنكم بتيقن ... فَلَا سقت الأوصال مني الرواعد
وَيعلم أكفائي من النَّاس أنني ... أَنا الْحَافِظ الحامي الذمار المداود
وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَمن يَغْتربْ عَنْ قومه لَا يزلْ يرى ... مصَارِع مظلومٍ مجرًا ومسحبًا
وتدفن مِنْهُ الصَّالِحَات وَإِن يسئ ... يكن مَا أَسَاءَ النَّار فِي رَأس كبكبا
وَقَالَ النَّابِغَة:
فَإِن يهْلك أَبُو قَابُوس يهْلك ... ربيع النَّاس والبلد الْحَرَام
ونمسك بعده بذناب عَيْش ... أجب الظّهْر لَيْسَ لَهُ سَنَام
ويروى بذناب دهر. الْجَزْم فِي نمسك وَالرَّفْع وَالنّصب وُجُوه جَائِزَة، وَجَاز فِي هَذَا الْبَيْت الْجَزْم الَّذِي لَا يجوز فِيمَا أنشدناه، قيل لعلةٍ أَنا ذاكرها إِن شَاءَ الله.
وَأَقُول مستعينًا بِاللَّه: إِن بَيت النَّابِغَة من النَّوْع الَّذِي يُسَمِّيه العروضيون الوافر وَهُوَ أول أَنْوَاعه عِنْد جمهورهم، وَإِذا رُوِيَ بِالرَّفْع وَالنّصب فَلَا زحاف فِيهِ، وَيُسمى سالما لسلامته من الزحاف، وَإِذا رُوِيَ بِالْجَزْمِ سكنت لَام مفاعلتن فَصَارَ مفاعلتن فنقلت إِلَى مفاعيلن وَيُسمى معصوبًا. وَبَيت النَّابِغَة يرْوى على وَجْهَيْن: أجب الظّهْر بِالْإِضَافَة، وَيصرف أجب فيكسر لِإِضَافَتِهِ، ويروى أجب الظّهْر فَيفتح وَهُوَ فِي مَوضِع جرٍ إِذْ هُوَ صفة لعيشٍ أَو دهر لِأَنَّهُ لَا ينْصَرف والتنوين مُقَدّر فِي أَصله. وَمن هَذَا الْبَاب زيد حسن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute