قَالَ: فاستملح هَارُون ذَلِك مِنْهُ وَأمر إِسْحَاق أَن يُغْنِيه بِهِ شهرا لَا يقطعهُ عَنْهُ، وَأمر للأعرابي بِعشْرَة آلَاف درهمٍ وَصَرفه.
الْفضل بْن يحيى يودع أَصْحَابه حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يَحْيَى قَالَ: لما خرج الْفضل بْن يحيى إِلَى خُرَاسَان ودع أَصْحَابه ثُمَّ قَالَ:
لما دنا الْبَين بَين الْحَيّ واقتسموا ... حَبل النَّوَى فَهُوَ فِي أَيْديهم قطع
جَادَتْ بأدمعها سلمى وأعجلني ... وَشك الْفِرَاق فَمَا أُبْقِي وَلَا أدع
يَا قلب وَيحك لَا سلمى بِذِي سلمٍ ... وَلَا الزَّمَان الَّذِي قد مر مرتجع
أكلما مر ركب لَا يلا ئمهم ... وَلَا يبالون أَن يشتاق من فحعوا
علقتني بهوى فيهم فقد جعلت ... من الْفِرَاق حَصَاة الْقلب تنصدع
قَالَ القَاضِي: هَذِه أَبْيَات حَسَنَة. وَقَوله: واقتسموا حَبل النَّوَى من أحسن القَوْل وأظرفه.
أَبْيَات اللمصعب تعجب الرشيد حَدثنَا يزْدَاد بْن عبد الرَّحْمَن الْمروزِي قَالَ حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن بكار قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كَانَ هَارُون أَمِير الْمُؤمنِينَ يستنشدني كثيرا قَول أَبِي عَبد اللَّه بْن مُصعب وَيُعْجِبهُ:
وَإِنِّي وَإِن قصرت عَن غير بغضةٍ ... مراعٍ لأسباب الْمَوَدَّة حَافظ
وَمَا زَالَ يدعوني إِلَى الصرم مَا أرى ... فآبى وتثنيني عَلَيْك الحفائظ
وأنتظر العتبى وأغضي على القذى ... أَلا ين طورا مرّة وأغالظ
وأنتظر الإقبال بالود مِنْكُم ... وأصبر حَتَّى أوجعتني المغايظ
جربت مَا يسلي الْمُحب على الْهوى ... فأقصرت والتجريب للمرء واعظ
قَالَ القَاضِي: ولعمري إِن هَذِه الأبيات لمن مستحسن الشّعْر فِي مَعْنَاهَا، وَإِعْجَاب الرشيد بهَا مِمَّا ينبى عَن خلوص أدبه وصفاء قريحته.
أَبْيَات لإِبْرَاهِيم بْن الْمهْدي فِي جَارِيَة كَانَت تخدمه حَدثنَا المظفر بْن يحيى بْن أَحْمَد الشرابي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس المرثدي قَالَ حَدَّثَنَا طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ الطلحي قَالَ أَنْشدني يَعْقُوب بْن عباد الزبيرِي لإِبْرَاهِيم بْن الْمهْدي، وَقد أخدمته بعض العباسيات فِي حَال استخفائه عِنْدهَا جَارِيَة وَقَالَت لَهَا: أَنْت لَهُ، فَإِن مد يَده إِلَيْك فَلَا تمتنعي وَلم يعلم بهبتها لَهُ، وَكَانَت مليحة، فجمشها يَوْمًا بِأَن قبل يَدهَا وَقَالَ:
يَا غزالا لي إِلَيْهِ ... شَافِع من مقلتيه