مَعَ الْغِفَارِيّ، وَابْن أَبِي بكرَة بسجستان خير لَك من لِأَن أَهلهَا أحبوه لحسن أياديه فيهم وَأَنا بخراسان خير مِنْهُ، قَالَ: وَمَا كنت تلِي من أَمر الْغِفَارِيّ؟ قَالَ: كنت فِيمَن صَحبه فَلَمَّا نزلنَا بيهق ودنونا من عدونا قَالَ الْغِفَارِيّ: هَل من فوارس ينظرُونَ لنا أمامنا وَإِن أَصَابُوا أحدا أَتَوا بِهِ، فَانْتدبَ منا مَعَ صَاحب شرطته عشرَة فوارس فلقينا عدتنا من عدونا، فَقَالَ أَصْحَابِي: قد عاينا طلائع الْقَوْم فانصرفوا، فَقلت: وَمَا عَلَيْكُم أَن نشامهم؟ فَأَبَوا وَانْصَرفُوا وَتَقَدَّمت فَقتل الله الْعشْرَة على يَدي، ثُمَّ انصرفت برؤوسهم ودوابهم وأسلابهم معي، وَقد كَانَ أَصْحَابِي نعوني إِلَى الْغِفَارِيّ، فَلَمَّا رَآنِي ضحك وَقَالَ:
كبا الْقَوْم عِنْد عيان الرِّهَان ... ونال الْمُهلب حَظّ الْفرس
ففاز الْمُهلب بالمكرمات ... وآب عُمَيْر بِحَدّ التعس
ثمَّ ولاني شرطته وَخرج إِلَيّ من أمره. فولاه الْحجَّاج خُرَاسَان، وَكَانَ وإليها حَتَّى هلك بهَا، فَقَالَ نَهَار بْن توسعة يرثيه:
لله دركم غَدَاة دفنتم ... سم العداة ونائلاً لَا يحظر
إِن تدفنوه فَإِن مثل بلائه ... فِي الْمُسلمين وَذكره لَا يقبر
كَانَ المدافع دون بَيْضَة مصره ... والجابر الْعظم الَّذِي لَا يجْبر
وَالْكَافِي الثغر الْمخوف بحزمه ... وبيمن طَائِره الَّذِي لَا يُنكر
أَنى لَهَا مثل الْمُهلب بعده ... هَيْهَات هَيْهَات الجناب لأخضر
كل امْرِئ ولي الرّعية بعده ... بدل لعمر أَبِيك مِنْهُ أَعور
مَا ساسنا مثل الْمُهلب سائس ... أعفى عَن الذَّنب الَّذِي لَا يغْفر
لَا لَا وأيمن فِي الحروب نقيبة ... مِنْهُ وَأَعْدل فِي النهاب وأوقر
وَأَشد فِي حق الْعرَاق شكيمة ... يخْشَى بوادرها الإِمَام الْأَكْبَر
جمع الْمُرُوءَة والسياسة التقى ... ومحاسن الأخرق مِنْهَا أَكثر
تجْرِي لَهُ الطير الأيامن عمره ... وَلَو أَنه خمسين عَاما يخْطر
لما رأى الْأَمر الْعَظِيم وَأَنه ... سيحل بالمصرين أَمر مُنكر
وأرنت العوذ المطافل حوله ... حذر السباء وَزَل عَنْهَا المئزر
ألْقى القناع وَسَار نَحْو عصابةٍ ... خزرٍ فذاقوا الْمَوْت وَهُوَ مشمر
كَانَ الْمُهلب للعراق سكينَة ... وَولي حادثها الَّذِي يستنكر