للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْقصر، وَهُوَ رجلٌ من بني عَامِر من آل الوحيد، بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم، فَنزلت من قلبه ألطفَ منزلَة، ثمَّ إِنَّه تزوج ابْنة عمٍ لَهُم فَهُديت إِلَيْهِ، فَكَانَت تسيءُ إليّ وتكلفني أَن أستقي فِي كلِّ يومٍ من هَذَا الغدير بجرّ، فشكوتُ ذَلِكَ إِلَى الرجل فَقَالَ: إنَّما أنتِ أمةٌ وَهَذِه ابْنة عمي، فربّما ذكرت مَا كنتُ فِيهِ فَيسْقط الْجَرّ من يَدي فينكسرُ فتضربني على هَذَا، ولَمّا رأيتكما وَمَا أَنْتُمَا عَلَيْهِ ذكرتُ مَا مضى من أيّامي فَسقط الْجَرّ من يَدي، ثُمَّ أخذت الْعود وغنّت:

يَا بَيت عَاتِكَة الَّذِي أتعزَّلحذر العدى وَبِه الْفُؤَاد موكّلإنّي لأمنحك الصّدود وإنّنيقسماً إليكَ مَعَ الصّدود لأميلُ

وَلَقَد نزلتَ من الفؤادِ بمنزلٍ ... مَا كَانَ غَيْرك والأمانةِ ينزلُ

وَلَقَد شكوتُ إليكَ بعض صبابتي ... ولَمَّا شكوتُ من الصبابة أطول

هَلْ عيشنا بكَ فِي زَمَانك راجعٌ ... فَلَقَد تفحَّش بعْدك المتعلّلُ

أعرضتُ عنكَ وَلَيْسَ ذاكَ لبغضةٍ ... أخْشَى مقالةَ كاشحٍ لَا يعقل

فَقُلْنَا لَهَا: لِمن هَذَا الشّعْر؟ قَالَت: للأحوص بن مُحَمَّد الأَنْصَارِيّ، قُلْنَا: فَلَمَّا الْغناء؟ قَالَت: لِمعبد المغنّي. فَقَالَ الْأَحْوَص: فَأَنا وَالله الْأَحْوَص، وَقَالَ معبد: وَأَنا وَالله معبد، فأنشأت تَقُولُ:

إِن تَرَوْني الغداةَ أسعى بجرٍّ ... أستقي الماءَ نَحْو هَذَا الغدير

فَلَقَد كنتُ فِي رخاءٍ من العَيْشِ وَفِي ظلِّ نعمةٍ وسرورِ

ثُمَّ قد تبصران مَا فِيهِ أَصبَحت وماذا إِلَيْهِ صَار مصيري

أبلغا عَنِّي الإِمَام وَمَا بلغ ... صِدْقَ الحديثِ مثلُ الْخَبِير

أنّني أضْرب الْخَلَائق بالعو ... د وأحكاهمُ لبمٍّ وَزِير

فلعلَّ الْإِلَه ينقذُ ممَّا ... أَنا فِيهِ فإننّي كالأسير

لَيْتَني متُّ يَوْم فارقتُ أَهلِي ... وبلادي وزرتُ أهل الْقُبُور

فَقَالَ الْأَحْوَص وَالله لَا أبرحُ حَتَّى أَقُول فِيهَا شعرًا، فَقَالَ:

إنَّ زينَ الغدير من كسر الْجَرّ ... رَّ وغنى غنّاء فحلٍ مجيدِ

قلتُ من أَنْت يَا ظعينَ فَقَالَت ... كنتُ فِيمَا مضى لآل الوليدِ

ثمَّ بدِّلت بعد حيِّ قريشٍ ... فِي بني عَامِر لآلِ الوحيد

فغنائي لمعبدٍ ونشيدي ... لِفتى النَّاس الأحوصِ الصنديد

فتبسّمتُ ثُمَّ قلتُ أَنا الأح ... وص والشيخُ معبدٌ فأعيدي

<<  <   >  >>