للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَصفنَا كَثِيرَة، وَأما حاجز فموضع مَعْرُوف، قَالَ الْأَعْشَى:

شاقك من قَتْلَة أطْلالُها ... فالشطُّ فالقفُّ إِلَى حاجِرِ

وَخص بني إِسْرَائِيل بِهَذَا لمّا مَضَت فيهم من الْأَعَاجِيب، كَمَا خص الْبَحْر بِمَا فِيهِ من الْعَجَائِب، وأرخص فِي التحدث عَنْهُم مَعَ اتقاء الْحَرج بِالْكَذِبِ فِيهِ، وَقَوله: وَلَا حَرَج، يتّجه فِيهِ تَأْوِيلَانِ، إِحْدَاهمَا: أَن يكون خَبَرًا مَحْضا فِي مَعْنَاهُ وَلَفظه، كَأَنَّهُ لمّا ذَكَرَ بني إِسْرَائِيل وَكَانَت فيهم أعاجيبُ وَكَانَ كثيرٌ من النّاس ينبُو سمعُه عَنْهَا، فَيكون هَذَا مقطعَة لمن عِنْدَهُ علم مِنْهَا أَن يحدث النّاس بهَا، فَرُبمَا أدّى هَذَا إِلَى دروس الْحِكْمَة، وَانْقِطَاع مواد الْفَائِدَة، وانسداد طَرِيق إِعْمَال الفكرة، وإغلاق أَبْوَاب الاتعاظ وَالْعبْرَة، وَكَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي تحدثكم بِمَا علمتموه من ذَلِكَ حرج.

والتأويل الثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى فِي هَذَا: النَّهْي فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا تحرَّجوا بِأَن تتحدثوا بِمَا قَدْ تبين لَكُم الْكَذِب فِيهِ محققين لَهُ أَوْ غَارِّين أحدا بِهِ، فَهَذَا اللفظُ عَلَى هَذَا الْوَجْه لفظُه لفظُ الخبَر وفائدتُه النهيُ من جِهَة الْمَعْنى، وَلَفظ النَّهْي لَا يَأْتِي إِلَّا مُتَعَلقا بفعلٍ مُستقبل، فَإِذا قيل: وَلَا تَحَرَّجُوا فَهُوَ صَرِيح اللَّفْظ بِالنَّهْي، فَإِذا قيل: وَلَا حرج جَازَ أَن يكون خَبرا مَحْضا معنى ولفظًا، وَجَاز أَن يكون لَفظه لفظ الْخَبَر فِي بنيته، وَمَعْنَاهُ النهيُ لقصد الْمُخَاطب وإرادته، دون صُورَة اللَّفْظ وصيغته، وَنصب الحَرَج فِي هَذَا الْموضع هُوَ الْوَجْه عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْمَعْنى الَّذِي يُسَمِّيه البصريون النَّفْي ويسميه الْكُوفِيُّونَ التبرئة، وَهُوَ عَلَى قَول الْخَلِيل مبنيٌّ يضارع المعرب، وعَلى قَول سِيبَوَيْهٍ معربٌ يضارع الْمَبْنِيّ، وَلَو رُفع ونُوِّن لَكَانَ وَجها قَدْ عرف واستُعمل كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

من صَدّ عَنْ نِيرانها ... فَأَنا ابْن قيسٍ لَا براحْ

وَقَوْلهمْ: لَا حول وَلَا قُوة إِلَّا بِاللَّه، للْعَرَب فِيهِ خَمْسَة مَذَاهِب: لَا حول وَلَا قوةَ إِلَّا بِاللَّه، وَلَا حولَ وَلَا قُوةً، وَلَا حولَ وَلَا قوةٌ، وَلَا حولٌ وَلَا قوةٌ، وَلَا حولٌ وَلَا قُوَّةُ.

وَقَالَ اللَّه تَعَالَى: " فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَال فِي الْحَج " هَذِه قِرَاءَة شَبيه وَنَافِع وَعَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ فِي آخَرين، وَقُرِئَ: فَلا رفثَ وَلا فسوقَ وَلَا جدالَ، وَهِي قِرَاءَة أَبِي جَعْفَر يزِيد بْن الْقَعْقَاع المَخْزُومِي، وَقُرِئَ: فَلا رفثٌ وَلا فسوقٌ وَلا جِدَالَ " وَهِي قِرَاءَة مُجَاهِد وَابْن كثير وَأبي عَمْرو وَعدد غَيرهم، وَقد قَرَأَ بَعضهم وَلَا جِدَال مثل دَرَاكِ ومَنَاعِ، رويتْ هَذِهِ الْقِرَاءَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن أبي إِسْحَاق، وَاخْتلف فِي علل إِعْرَاب هَذِه الْقرَاءَات، وَفِي عِلّة فرق فِي الْإِعْرَاب بَين بعضهما وَبَعض اخْتِلَاف يطول شَرحه، وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكره، وَنحن مستقصو القَوْل فِيهِ عِنْدَ انتهائنا إِلَيْهِ من كتَابنَا الْمُسَمّى الْبَيَان الموجز فِي عَلَمِ الْقُرْآن المعجز وَفِي كتَابنَا فِي الْقرَاءَات، وَكِتَابنَا فِي عللها وتفصيل وجوهها.

وَقَوله: " من كذب عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " قَدْ أَتَت الرِّوَايَة بِهَذَا اللَّفْظ وَمَا

<<  <   >  >>