أضفنا إلى ذلك ما أصيبت به المكتبة العربية في إفريقية من نكبات خلال العصور مما جعلنا نعرف الكثير من أسماء كتب الطبقات والسير والمغازي والتاريخ العام والخاص دون أن يكون لها أثر في المشرق أو المغرب أو نقف على أعيانها، إذا أضفنا ذلك كلّه أدركنا مدى الأهمية التي يمكن أن يؤديها نشر كتاب «رياض النفوس» للمالكي بكامله.
والواقع أن الأنظار ظلّت متجهة إلى الدكتور حسين مؤنس تطلّعا إلى صدور الجزء الثاني من الكتاب. وكانت الأخبار تبلغنا من حين إلى حين أن الجزء الثاني من «رياض النفوس» على وشك الصدور حتى مضى أكثر من ربع قرن والكتاب لم يصدر. ولعلّ للدكتور حسين مؤنس المحترم ما يشفع له في ذلك. والغائب عذره معه كما يقولون. لكنّ ذلك لا يمنع السعي حتى يصدر الكتاب فعلا ويتناوله الناس ويستفيدون منه. ولهذا فما إن وجدت عند الابن الروحي «بشير البكوش» عزما على إصدار الجزء الثاني من «رياض النفوس» حتى شجعته على ذلك لما خبرته فيه من اطلاع واسع على «الافريقيات»، وهو اطلاع يصل الى مستوى التخصص، ومن دأب في العمل، وسعة المعرفة بالمصادر ذات العلاقة القريبة والبعيدة. وذلك ما سيجده بوضوح المطالع للكتاب لما أنجزه محققه من عمل جاد وجهد كبير. كما أن تناوله للجزء الأول بإعادة تحقيقه يكشف كذلك عمّا بذله من جهود في زيادة التحقيق، والشرح، وحتى الإصلاح للنص في كثير من الأحيان مما يجعل عمله يفوق بكثير مستوى المراجعة لعمل سابق.
شيء آخر لا بأس بالإشارة اليه هو أن تحقيق مثل «رياض النفوس» لا يحتاج فقط إلى المصادر القديمة والمعاجم اللغوية ولواحقها بل يحتاج كذلك إلى الممارسة ومعرفة بعض المفردات ذات المدلولات الخاصة قد لا توجد في المعاجم لكنها ما تزال باقية الاستعمال. وإن عدم اعتماد تلك الممارسة قد يوقع في الخطأ أو الاحتمال غير الوارد. ولعلّ من أبرز الأمثلة على ذلك بعض النماذج التي نذكرها تدليلا لا إحصاء:
[١ - التاكما]
وردت هذه الكلمة في الصفحة ٢٠٦ من الطبعة الأولى بتحقيق الدكتور حسين مؤنس وقد حوّلها المحقق إلى لفظة «التالمة» وعلّق عليها بقوله: « .. رسمها النسّاخ في الأصل خطأ: التاكما. وقد جاء في ملحق القواميس العربية لدوزي ما يلي: تالمة-