للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم سبقه إلى رباح، فقال: «هو ذا قد دخل»، فحول وجهه نحو الحائط‍ قبل دخوله، لئلا يخاطبه. فلما أن دخل سعيد قال له: «كيف تجدك يا أبا يزيد؟ كيف أنت؟ » ونحو ذلك من الكلام، فما رد عليه رباح حرفا، ولا أجابه بشيء. فلما أن رأى ذلك سعيد قال: «أحسب أن أبا يزيد نائم! ».فقال له صاحب الدار:

«أحسب ذلك، أصلحك الله»؛ فحول رباح وجهه إلى صاحب الدار وقال له:

«ويحك! تكذب وأنت تخاطبني الساعة وتقول إني نائم؟ أما إني لو علمت أنك تكذب ما أويت لك إلى سقف! ».قال: فخجل سعيد بن لبيد وخرج من عنده واجدا لما نزل به. فلما صار إلى رأس الدرب لقي «يزيد بن حاتم» الأمير وقد أتى يعود رباحا، فقال له سعيد: «انصرف، أصلح الله الأمير! » فقال له: «لم؟ » فأخبره بما نزل به، وقال له: «إنما نزل بي هذا من رباح لكوني صحبتك»، فتوقف يزيد ساعة مفكرا ثم قال له: «قد أتيت، فما كنت لأنصرف حتى أشهد عيادته»، فقال له: «وكيف تعمل؟ » قال: «سوف ألطف له وأحتال».قال: فمضى يزيد حتى أتى الدار التي فيها رباح، فخرج إليه صاحب الدار فلما رآه دخل إلى رباح فقال: «هذا الأمير يزيد بن حاتم قد أتى عائدا وقد أذنت له بالدخول، ولم أقدر على غير ذلك».

فأعاد رباح وجهه إلى الحائط‍ كما فعل مع سعيد، والقوم جلوس بحالهم عند رباح لم يبرحوا. فلما دخل يزيد سلم عليهم ثم قال لهم: «كيف أمسى أبو يزيد العشية؟ كيف رأيتموه؟ منّ الله عليه بالعافية وصرف عنه المحذور»، وكان أولئك العوّاد يجيبونه في كلامه كله في مسألته وفي دعائه. فخرج عنه الأمير يزيد بن حاتم. ومات رباح من تلك العلة، فبلغ يزيد بن حاتم وفاته، فأتى لحضور جنازته، فلما صلّى الظهر أقبل الناس والأمير راكب (٧٥) ومعه أصحابه [في] (٧٦) خلق عظيم، فوقف ينتظر الناس ليخرجوا به، فازدحم الناس على نعشه من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، فلما رأى ذلك يزيد قال: «معاشر الناس، إن كنتم مزدحمين فازدحموا على عمله ولا تزدحموا على جسمه».وأمر الشّرط‍ بحمل النعش، فأخذه الشّرط‍ فحملوه وأزالوا الناس عنه، وحملوه إلى «باب سلم»، فصلى عليه ودفن رحمه الله تعالى.


(٧٥) في الأصل: راكبا.
(٧٦) زيادة للسياق.