فلما دخل فصل الربيع، وطاب الزمان، جمع أبو عبد الله عسكره فبلغت مائة ألف فارس وراجل، وجمع زيادة الله ما لا يحصى، وسار أول جمادى الآخرة سنة ست وتسعين ومائتين، فالتقوا مع أبي عبد الله، واقتتلوا أشد قتال، وطال زمنه، وظهر أصحاب زيادة الله، ثم إن أبا عبد الله كادهم بخيل بعثها من خلفهم، فانهزم أصحاب زيادة الله، وأوقع فيهم القتل، وغنم أموالهم، وكان ذلك في آخر جمادى الآخرة، ففر زيادة الله إلى ديار مصر، فدخل إبراهيم بن الأغلب إلى القيروان، فقصد قصر الإمارة، ونادى بالأمان، وتسكين الناس، وذكر زيادة الله وذمه، وصغر أمر أبي عبد الله، ووعد الناس بقتاله، وطلب منهم الأموال، فقالوا: إنما نحن فقهاء وعامة التجار، وما في أموالنا ما يبلغ غرضك، ثم إنهم ثارا به ورجموه. فخرج عنهم.
ودخل أبو عبد الله إلى مدينة رقادة، فأمن الناس، ومنع من النهب، وخرج الفقهاء ووجوه أهل القيروان إلى لقاء أبي عبد الله، وسلموا عليه، وهنوه بالفتح، فرد عليهم ردا حسنا، وأمنهم، وقد أعجبوا به وسرهم، فأخذوا في ذم زيادة الله وذكر مساوئه، فقال لهم: ما كان إلا قوياً وله منعة ودولة شامخة، وما قصر في مدافعته، ولكن أمر الله لا يعاند ولا يدافع.
فامسكوا عن الكلام.
وكان دخول أبي عبد الله رقادة يوم السبت مستهل رجب سنة ست وتسعين ومائتين، فنزل ببعض قصورها، وفرق دورها على كتامة، ونادى بالأمان، فرجع الناس إلى أوطانهم، وأخرج العمال إلى البلاد، وطلب أهل الشر فقتلهم، وأمر بجمع ما كان لزيادة الله من الأموال والسلاح وغيره، فاجتمع منه كثير، وكان له دعة من الجواري لهن حظ من الجمال، فلم ينظر إلى واحدة منهن، وأمر لهن بما يصلحهن.
فلما كان يوم الجمعة أمر الخطباء بالقيروان ورقادة فخطبوا ولم يذكروا أحدا، وأمر