فيها عم البلاء بمصر جميع الرؤساء والقضاة والكتاب والسوقة من الراهب، بحيث لم يبق أحد إلا وناله مه مكروه، إما من ضرب أو نهب أو أخذ مال. وكان يجلس في قاعة الخطابة من جامع عمرو بن العاص، ويستدعي الناس للمصادرة. فطلب في بعض الأيام رجلا يعرف بابن الفرس من العدول المميزين المبجلين في الناس فأهانه وأخرق به، فخرج إلى الجامع في يوم جمعة وقام على رجليه وقال: يأهل مصر، انظروا عدل مولانا الآمر في تمكينه النصراني من المسلمين. فارتج الناس لكلامه وكادت تكون فتنة؛ فاتصل ذلك بخواص الخليفة، فأبلغوه إياه وخوفوه عاقبة ذلك، وطالعوه بما حل بالخلق.
وكان الراهب قد أخذ من شخص خادم يقال له جديحو سبعين ألف دينار بخرج من مائة ألف دينار، فصار يشكو، وكان كثير البضائع والتجارات والمقارضين، فتظلم واشتهر أمره إلى أن بلغ خبره إلى أستاذ من أستاذى القصر له من العمر نحو مائة وعشرين سنة، يقال له لامع وكان قد انقطع في منزله بالقصر بعد ما حج غير مرة، وأنشأ جلبة بعيذاب يقال لها اللامعية تحمل الحاج فاتفق جواز الآمر على مكانه فسأل عنه، فقيل له: إنه لا يستطيع النهوض إلى خدمتك. فدخل إليه وسأله عن حاله، فقال: شغلي بسمعة مولانا أشد علي من نفسي. فقال له الآمر: لأي شيء؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن الناس قد تم عليهم من الشدة ما لا أحسن أصفه وربما نسب ذلك إليك. وشرح له أمر الراهب ابن أبي نجاح وصاحبي الديوان جعفر بن عبد المنعم المعروف بابن أبي قيراط وأبي يعقوب إبراهيم السامري الكاتب، وما أخذوه من هذا الخادم. فحلف الآمر إنه ما علم أنهم بلغوا بالناس إلى هذا المبلغ، وأنه يستدعي صاحبي الديوان في كل وقت ويحلفهما على المصحف وعلى التوراة، وأن الراهب لم يجعل إلا مستوفياً لما يستخرج من الأموال وليس له