للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ست وخمسمائة (١):

فيها حفر البحر المعروف ببحر أبى المنجا، فابتدئ فى حفره فى يوم الثلاثاء السادس من شعبان، وأقام الحفر فيه سنتين. وكان أبو المنجا يهوديا وكان يشارف الأعمال الشرقية؛ فلما عرض على الأفضل ما أنفقه فيه استعظمه وقال: غرمنا هذا المال جميعه والاسم لأبى المنجا. فغير اسمه ودعا بالبحر الأفضلىّ، فلم يتمّ ذلك ولا عرف إلاّ بأبى المنجا (٢).

وفيها أعلن شمس الخلافة أسد، والى عسقلان، بالخلاف، فعهد إلى صاحب الترتيب والقاضى فأخرجهما على أنه يرسلهما إلى الباب فى خدمة عرضت له، وإلى العسكر الذى كان يخاف شوكته؛ فأوهمهم أنّه يسيّرهم إلى بلاد العدوّ. فلمّا حصلوا خارج الثّغر أمرهم بالمسير إلى باب سلطانهم؛ وكان قد سيّر قبل ذلك العسكر من الباب على جهة البدل.

فلمّا علم أسد المذكور بوصولهم إلى مدينة الفرما أنفذ إليهم يخيفهم ويشعرهم أن العدوّ قد تعدّاهم، فامتنعوا من التوجّه إلى عسقلان.

فلمّا بلغ الأفضل ذلك عزم على أن يسير بنفسه إليه. ثم رأى أنّ إعمال الحيلة أنجع؛ فخادعه وأنفذ الكتب إليه يطمئنه ويصوّب رأيه فيما فعله فى صاحب التّرتيب والبدل، ولم يغيّر مكاتبته عن حالها، ولا تعرّض لإقطاعاته ورسومه وأصحابه؛ وسيّر فى الباطن من يستفسد الكنانيّة والرّجال المذكورة ويبذل لهم الأموال فى أخذه. ولم يزل يدبّر عليه حتى اقتنصت المنيّة مهجته؛ وذلك أن أهل بيروت أنكروا أمره، فوثب عليه طائفة وهو راكب، فجرحوه، وانهزم إلى داره فتبعوه وأجهزوا عليه، ونهبوا داره وماله، وتخطّفوا


(١) ويوافق أول المحرم منها الثامن والعشرين من يونيو سنة ١١١٢.
(٢) وسبب حفره أن البلاد الشرقية كانت جارية فى ديوان الخلافة وكان معظمها لا تصله مياه الرى فى أغلب السنين ولما عرف الأفضل جملة ما أنفق فيه استعظمه وقال: غرمنا هذا المال جميعه والاسم لأبى المنجا، فغير اسمه ودعاه بالبحر الأفضلى فلم يتم ذلك ولم يعرف إلا بأبى المنجا. ولما تولى المأمون البطائحى الوزارة بعد مقتل الأفضل اتخذ لفتحه يوما كفتح خليج القاهرة، وبنى عند سده منظرة متسعة ينزل فيها عند فتحه. وكان السد يفتح فى عيد الصليب فى سابع عشر توت، ثم استقر الحال فيما بعد على أن يقطع يوم النوروز فى أول يوم من توت حرصا على رى البلاد. المواعظ والاعتبار: ١: ٤٨٧ - ٤٨٨، صبح الأعشى: ٣٠١:٣ - ٣٠٢.