فيها وصل رسل الفرنج في طلب مال الهدنة فماطلهم به ضرغام ودافعهم حتى شغل عنهم بقدوم شاور.
وفي ثامن عشر ربيع الأول قبض ضرغام على صبح بن شاهنشاه عين الزمان وأسد الغاوي وعلي بن الزبد في عدة تبلغ نحو السبعين من الأمراء سوى أتباعهم؛ وذلك أنه بلغه عنهم أنهم قد حسدوه واحتقروه وكاتبوا شاوراً ووعدوه القيام معه. ثم أخرجهم ليلا وضرب أعناقهم؛ فاختلت الدولة بقتل رجالها وذهاب فرسانها.
وفيها وجه ضرغام بأخيه ناصر الدين همام على طائفة من العسكر لقتال الأمير مرتفع ابن مجلي المعروف بالخلواص، متولي الإسكندرية، وقد جمع وسار؛ فعندما بلغ من معه من العربان قتل الأمراء البرقية فتروا عن القيام معه وطمعوا فيه، ووثب به قوم من بني سنبس وقبضوا عليه، وأتوا به إلى همام، فقدم به إلى القاهرة، فضرب ضرغام عنقه يوم الجمعة ثامن ربيع الآخر وصلبه على باب زويلة؛ فنفرت القلوب من ضرغام.
وكان شاور قد وصل في ثالث عشري ذي القعدة من السنة الماضية إلى دمشق مترامياً على السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، مستجيراً به على ضرغام، فأكرم مثواه وأحسن إليه، فتحدث مع السلطان في أن يرسل معه العساكر إلى مصر ليعود إلى منصبه ويكون لنور الدين ثلث دخل البلاد بعد إقطاعات العساكر، ويكون معه من أمراء الشام من يقيم معه في مصر، ويتصرف هو بأوامر نور الدين واختياره. فبقي نور الدين يقدم إلى هذا الغرض رجلا ويؤخر أخرى، فتارةً يقصد رعاية شاور لكونه التجأ إليه وكون ما قاله زيادةً في ملكه وتقويةً له على الفرنج؛ وتارة يخشى خطر الطريق وكون الفرنج فيه،