للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلغ إلى الباب الجديد أول الشّارع، خارج باب زويلة (١)، فكان الناس يتوجّهون من مصر إلى القاهرة على ناحية المقابر لامتلاء الطريق بالمياه. فلمّا بلغ الحافظ ذلك أظهر له الحزن والانقطاع، فسأله بعض خواصّه عن ذلك، فأخرج له كتابا وقال: انظر هذا السطر؛ فإذا فيه: «إذا وصل الماء الباب الجديد انتقل الإمام عبد المجيد». ثم قال: هذا الكتاب الذى نعلم منه أحوالنا وأحوال دولتنا، وما يأتى بعدها. فاتفق أنّه لم تنسلخ هذه السّنة حتى مرض الحافظ مرضة الموت.

وفيها انقرضت دولة بنى باديس (٢). وذلك أن الغلاء اشتد بإفريقية من سنة سبع وثلاثين وخمسمائة إلى سنة اثنتين وأربعين حتى أكل النّاس بعضهم بعضا، وخلت القرى، ولحق كثير من الناس بجزيرة صقلية. فاغتنم رجار متملّكها الفرصة وبعث جرج، مقدّم أسطوله، على نحو مائتين وخمسين شينيّا، فنزل على المهديّة ثامن صفر سنة اثنتين وأربعين، وبها الحسن بن على بن يحيى بن تميم بن المعزّ بن باديس؛ ففرّ بأخفّ حمله وتبعه النّاس. فدخل جرج المهديّة بغير مانع، واستولى على قصر الأمير حسن، وأخذ منه ذخائر نفيسة وحظايا بديعات (٣).


(١) ويعرف أيضا بالباب الجديد الحاكمى لأنه أنشئ فى عهده؛ وكان يقع خارج باب زويلة من القاهرة عند رأس حارة المنتجبية بينها وبين حارة الهلالية، وكانت حارة المنتجبية تقع على يمين الخارج من باب زويلة متجها نحو الجنوب. المواعظ والاعتبار: ١٩:٢، ٢٠، ٢٥.
(٢) أسرة الزيريين أصحاب إفريقية والمغرب الأوسط، وكانت حاضرتهم فى معظم أيامهم بمدينة القيروان، امتد حكمهم بين سنتى ٣٦١ - ٥٤٣ (٩٧٢ - ١١٤٩) أمضوا الفترة الأولى منها حتى سنة ٤١٧ يحكمون باسم الفاطميين، ثم استقلوا بالأمر حتى نهاية الفترة، ثم خضعت بلادهم لروجر الثانى ثم للموحدين؛ واستمروا فى حكمها فترة، بعد زوال استقلالها، نوابا عن روجر الثانى وعن الموحدين. وقد تقدم تفصيل ذلك فى مناسباته، وسيرد باقيه، فى ثنايا هذا الكتاب، انظر أيضا: معجم الأنساب؛ Mohammadan Dynasties
(٣) يذكر ابن الأثير أنه كانت هناك مواثيق بين روجر والحسن بن على بن يحيى بن باديس، وأن الأسطول أراد أن يباغت المهدية ليلا، فأسر مركبا إسلاميا بها عدد من الحمام المستخدم للمراسلات فأرسله محملا برسائل تخبر بمسير الأسطول الصقلى إلى القسطنطينية، وذلك للتضليل، فهبت ريح شديدة عطلت الأسطول فلم يصل المهدية إلا نهارا، فأرسل قائد الأسطول إلى الحسن يؤمن جانبه استنادا إلى المعاهدات والمواثيق، ويذكر أنه أراد أن يقتص لوالى مدينة قابس المطرود ويريد عوده إليها، وتظاهر بأنه يستمد الحسن عسكريا ليعينه فى ذلك، لكن الحسن أدرك الخطر وأحس بالخديعة، وأدرك كذلك عجز عن المقاومة، فدعا الناس إلى الرحيل عن البلد وكان هو على رأس الراحلين. الكامل: ٤٧:١١ - ٤٩.