للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ثمان عشرة وخمسمائة (١)

فيها ملك الفرنج مدينة صور، واستمرّت بأيديهم حتى زالت الدولة الفاطميّة. وكان أخذهم إياها بعد محاصرتها مدة، وتقاصر المأمون عن نجدتهم، وأعانهم طغتكين صاحب دمشق، ووصل إلى بانياس وراسل الفرنج؛ فاستقرّ الأمر على أن الفرنج تستولى عليها بالأمان، فخرج أهلها بما خفّ حمله، وتفرقوا فى البلاد. وكان تملّكهم لها فى يوم الاثنين ثالث عشرى جمادى الآخرة (٢).

وفيها أمر ببناء دار واسعة ليتفرّج النّاس فيها عند كسر خليج القاهرة بالكراء.

وذلك أنّ الناس عند كسر الخليج (٣) كانوا يصنعون أخشابا متراكبة بعضها على بعض، يجلسون فوقها للتفرّج يوم كسر الخليج، ولم يكن هناك غير دار الأمير أبى عبد الله محمد بن المستنصر ودار ابن معشر. ولم تزل هذه الأدر الثلاثة إلى أن احترقت فى نوبة شاور (٤).


(١) ويوافق أول المحرم منها التاسع عشر من فبراير سنة ١١٢٤.
(٢) «ووقف أتابك بعسكره بإزاء الفرنج، وفتح الباب، وأذن للناس فى الخروج، فحمل كل منهم ما خف عليه وأطاق حمله وترك ما ثقل عليه، وهم يخرجون بين الصفين وليس أحد من الفرنج يعرض لأحد منهم بحيث خرج كافة العسكرية والرعية ولم يبق منهم إلا ضعيف لا يطيق الخروج فوصل بعضهم إلى دمشق وتفرقوا فى البلاد». ذيل تاريخ دمشق: ٢١١.
(٣) يحتفل بكسر الخليج فى اليوم الثالث أو الرابع من يوم التخليق. ومما يحدث فى يوم التخليق أن يسير العشارى الذى يركبه الخليفة فى النيل من المنظرة المعروفة برواق الملك إلى باب المقياس العالى على الدرج، فيطلع من العشارى ويدخل إلى الفسقية التى فيها المقياس، والوزير والأستاذون المحنكون بين يديه، ويصلى هو والوزير ركعتين كل منهما بمفرده، ثم يؤتى بالزعفران والمسك فيتناوله صاحب بيت المال ويعطيه لابن أبى الرداد، فيلقى بنفسه فى الفسقية بثيابه، فيتعلق بالعمود برجليه ويده اليسرى ويخلقه (يطيبه) بيده اليمنى والقراء يقرءون القرآن. ثم يخرج الخليفة إلى العشارى فيركبه إلى دار الملك ومنها يركب إلى القاهرة. وفى كسر الخليج - بعد ثلاثة أيام أو أربعة تنصب الخيمة الكبيرة المعروفة بالقاتول للخليفة فى البر الغربى عند منظرة السكرة وحولها الخيام المختلفة الأحجام على قدر مراتب الأمراء والمتفرجين. ثم يركب الخليفة فى موكبه العظيم الكامل الأبهة والمراسم حتى ينتهى بعد زيارات متتابعة إلى منظرة السكرة بقرب الخيام المنصوبة … ويطل أستاذ محنك فيشير بيده بفتح السد فيفتح بالمعاول وتضرب الطبول والأبواق من البرين. ثم ينصب السماط، ثم تتهادى العشاريات اللطاف ووراءها العشاريات الكبار فى الخليج بعد اعتدال الماء فيه … ثم يعود الخليفة بعد صلاة العصر إلى قصره بالموكب المعتاد. صبح الأعشى: ٥١٢:٣ - ٥١٧.
(٤) وذلك عند إحراق الفسطاط فى سنة ٥٦٤ لمواجهة هجوم الفرنجة بقيادة أملريك الأول، ملك بيت المقدس، فى النوبة التى انتهت بمقتل شاور ووزارة شيركوه، عم صلاح الدين الأيوبى.