للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر ما عيب عليهم]

لا شكّ فى أنّ القوم كانوا شيعة يرون تفضيل علىّ بن أبى طالب على من عداه من الصّحابة، وكانوا ينتحلون من مذاهب الشّيعة مذهب الإسماعيليّة وهم القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصّادق وتنقّلها فى أولاده الأئمة المستورين إلى عبيد الله المهدىّ، أوّل من قام منهم بالمغرب.

وبقيّة الشّيعة لا يقولون بإمامة إسماعيل، وينكرون عليهم ذلك أشدّ الإنكار.

وكانوا مع انتحالهم مذهب التشيّع غلاة فى الرفض؛ إلاّ أنّ أوّلهم كانوا أكابر صانوا أنفسهم عمّا تحرّف به آخرهم. ثمّ إنّ الحاكم بأمر الله أكثر من النظر فى العقائد، وكان قليل الثبات سريع الاستمالة، إذا مال إلى اعتقاد شيء أظهره وحمل النّاس عليه، ثم لا يلبث أن يرجع عنه إلى غيره فيريد من النّاس ترك ما كان قد أمرهم به والمصير إلى ما استحدثه ومال إليه. واقترن به رجل يعرف باللباد الزّوزنى فأظهر مذاهب الباطنيّة، وقد كان عند أوّلهم منها طرف، فأنكر النّاس هذا المذهب لما يشتمل عليه ممّا لم يعرف عند سلف الأمّة وتابعيهم ولما فيه من مخالفة الشرائع.

فلمّا كانت أيام المستنصر وفد إليه الحسن بن الصّباح، فأشاع هذا المذهب فى الأقطار ودعا الكافّة إليه، واستباح الدّماء بمخالفته؛ فاشتدّ النكير، وكثر الصّائح عليهم من كل ناحية حتى أخرجوهم عن الإسلام ونفوهم عن الملّة.

ووجد بنو العبّاس السّبيل إلى الغضّ منهم لما مكّنوا من البغض فيهم وقاسوه من الألم بأخذهم ما كان بأيديهم من ممالك القيروان وديار مصر والشام والحجاز واليمن وبغداد أيضا، فنفوهم عن الانتساب إلى علىّ بن أبى طالب، بل وقالوا إنّما هم من أولاد اليهود؛ وتناولت الألسنة ذلك، فملئوا به كتب الأخبار.

ثم لمّا اتصل بهم الغز ووزر لهم أسد الدّين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين، وهم من صنائع دولة بنى العبّاس الذين ربوا فى أبوابها وغذوا بنعمها ونشئوا على اعتقاد موالاتها ٤٤ - اتعاظ الحنفا