فيها قويت شوكة الأتراك واشتدّ بأسهم وطلبوا الزيادات فى واجباتهم ورواتبهم؛ وساءت أحوال العبيد وكثر ضررهم وهم يتزايدون، حتى صار منهم بالقاهرة ومصر وما فى ظواهرهما من القرى نحو الخمسين ألف عبد، ما بين فارس وراجل. وخلت خزائن أموال المستنصر وضعفت الدولة. فبعثت السيدة أم الخليفة المستنصر إلى قوّاد العبيد تغريهم بالأتراك، وتحثّهم على الإيقاع بهم ومحاربتهم وإخراجهم من مصر؛ فجمع قوّاد العبيد وحشدوا طوائفهم، وصاروا إلى شبرا دمنهور، وساروا إلى الجيزة؛ فخرج إليهم الأتراك يريدون محاربتهم؛ وقد بلغت النفقة فى تعديتهم إلى الجيزة ألف ألف دينار. فالتقى الفريقان، وكانت بينهما حروب انجلت عن كسرة السّودان وهزيمتهم إلى الصّعيد.
وكان مقدّم طوائف الأتراك يومئذ ناصر الدّولة أبو على الحسن بن الأمير أبى الهيجاء ابن حمدان؛ فرجع بالأتراك إلى القاهرة وقد قويت نفسه وعظم قدره، واشتدت شوكته، وثقلت وطأته. وتلاحق العبيد بعضهم ببعض واجتمعوا فى بلاد الصّعيد وهم فى عدد يتجاوز الخمسة عشر ألفا ما بين فارس وراجل؛ فساء ذلك الأتراك وأقلقهم، فصار أكابرهم إلى المستنصر وشكوا إليه أمر العبيد. فأمرت أمّ المستنصر جماعة ممّن كان عندها من العبيد أن يقتحموا على الأتراك فهاجموهم على حين غفلة وقتلوا منهم جماعة. ففر ابن حمدان حينئذ إلى ظاهر القاهرة، وتسارع إليه الأتراك وقد استعدّوا لمحاربة العبيد؛ فخرج إليهم عدة من العبيد الذين كانوا بالقاهرة ومصر. فكانت بين الطائفتين حروب شديدة مدّة أيام، فحلف منذ ذلك ابن حمدان أنه لا ينزل عن فرسه حتى ينفصل إمّا له أو عليه. وثبت كل منهما، فكانت الكرّة لابن حمدان على العبيد، فوضع السيف فيهم وتجاوز الحد فى كثرة
(١) ويوافق أول المحرم منها الثانى والعشرين من نوفمبر سنة ١٠٦٦.