للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة خمسين وخمسمائة (١):

فيها مضى الأسطول إلى ميناء صور فملكها وأخربها وأحرقها، وعاد مظفرا بعدة مراكب فيها حجّاج من النصارى وغيرهم، وبعدة كبيرة من الأسرى وبغنائم جزيلة (٢).

وفيها خرج على الصّالح الأمير الأوحد بن تميم، والى إخميم وأسيوط، وجمع جمعا موفورا، فسيّر إليه الصالح عدّة من العسكر، فكانت بينهما عدة وقائع أسفرت عن قتله الأوحد فى يوم الأربعاء سابع عشر رجب.

وفيها قدم الفقيه نجم الدّين عمارة بن أبى الحسن على، اليمانى الحكمى (٣) فى شهر


(١) ويوافق أول المحرم منها السابع من مارس سنة ١١٥٥.
(٢) وكان الفرنج قد استولوا على مدينة صور سنة ثمانى وخمسمائة. ويذكر ابن القلانسى من أمر هذه الحملة البحرية أن قائد الأسطول «كان مقدما شديد البأس بصيرا بأشغال البحر، فاختار جماعة من رجال البحر يتكلمون بلسان الفرنج وألبسهم لباس الفرنج وأنهضهم فى عدة مراكب لكشف الأماكن والمكامن والمسالك المعروفة بمراكب الروم وتعرف أحوالها، ثم قصد ميناء صور وقد ذكر له أن فيها شختورة رومية كبيرة فيها رجال كثيرة ومال كثير وافر فهجم عليها وملكها وقتل من فيها واستولى على ما حوته، وأقام فيها ثلاثة أيام، ثم أحرقها وعاد منها فظفر بمراكب حجاج الفرنج فقتل وأسر وانتهب، وعاد إلى مصر بالغنائم والأسرى». ولعل هذه الحملة كانت ردا على ما قام به الإفرنج من الإغارة على تنيس فى سنة تسع وأربعين وخمسمائة إذ قتلوا ونهبوا وأسروا ورحلوا بعد إقامتهم بها ثلاثة أيام. وقد سبق ذكر ذلك. قارن ذيل تاريخ دمشق: ٣٣١، ٣٣٢.
(٣) نجم الدين أبو محمد عمارة (بضم العين) بن أبى الحسن على بن زيدان الحكمى، من مدينة مرطان بوادى وساع فى اليمن. تفقه على مذهب الشافعى، ودخل مصر، فى سنة خمسين وخمسمائة، رسولا من قبل قاسم بن هاشم بن فليتة صاحب مكة (٥٤٩ - ٥٥٦) - وهو الثانى عشر من بنى فليتة أشراف مكة - قدم عمارة للإصلاح بين قاسم وبين المصريين، ثم قدمها مرة ثانية سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وبقى بها مقربا إلى الفاطميين محتفظا بعقيدته السنية. واتهمه صلاح الدين بالتآمر، مع جماعة، لإعادة حكم الفاطميين، وتم شنقه بالقاهرة نتيجة لهذا الاتهام فى سنة تسع وستين وخمسمائة. ومن لطيف شعره أنه مر يوم اعتقاله بباب القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانى، وكان يكرمه ويقربه، فاحتجب الفاضل عنه. فقال:
عبد الرحيم قد احتجب … إن الخلاص هو العجب
ومن شعره وقد قطعت رواتبه أيام صلاح الدين، وتوجه به إلى القاضى الفاضل:
قست رأفة الدنيا، فلا الدهر عاطف … على، ولا عبد الرحيم رحيم
عفا الله عن آرائه كل فترة … كلام العدا فيها على كلوم
وسامحه فى قطع رزق، بفضله … وصلت إليه، والزمان ذميم
ألا هل له عطف على، فإننى … فقير إلى ما اعتدت منه عديم
-