الظلمة بعورات الناس إلى الخليفة، فاشتدت مطالبات الناس بالأموال، وقبل قول كل رافع شيئاً على أحد، وأخذ الناس بما رموا به، وضمن عدة من الناس أشياء لم تجر عادة بضمانها، وأحدثت رسوم لم تكن فيما تقدم. وذلك أنهم لم يقدروا على تصريح القول بالمصادرة، فعملوا ما ذكر؛ فحصلت الشناعة، وخرج من بالبلد من التجار.
وكثرت مصادرات القاطنين بمصر والقاهرة، وعظم قدر ما حمل من أموال هذه الجهات. فاتسع عطاء الخليفة حتى وهب يوماً لغلامه برغش، المنعوت بالعادل، ثمانين ألف دينار، ثم سأله بعد مدة يسيرة عما فعله فيما وهبه، فقال: يا مولانا تصدقت ووهبت أكثر. فأعجب ذلك الآمر، وفرح، وشكره على فعله. ووهب مرة لغلامة هزار الملك جوامرد، المنعوت بالأفضل، مثل ذلك. وكانا أخص غلمانه وأقربهم منه، وأشرفهم عنده منزلة؛ وكانا أسمح خلق الله؛ وكان الناس في أيامهما لا يوجد فيهم من يشكو الفقر، لا بمصر ولا بالقاهرة، فإن هزار الملوك كانت صدقته في كل يوم جمعة راتباً قد قرره بالقرافة أربعة آلاف درهم في ألف كاغدة، على يد الثقة ابن الصعيدي وغزال الوكيل، وكانت عطاياه من يده لا تنقص عن عشرة دنانير أبداً؛ ولا يخلو ركوبه إلى القصر وعوده منه من أحد يقف له ويطلب منه. وكان برغش يعطي الجمل الكبار التي يغني بها الطالب، من المائة دينار إلى المائتين وأكثر.
وبلغ علم التي يقال لها جمعة، مكنون الآمرية، أن الآمر سيدها قد وهب لكل من غلاميه المذكورين ثمانين ألف دينار، وكان الآمر يحبها، وأصدقها أربعة عشر ألف دينار، وولدت منه ابنة سماها ست القصور؛ فلما دخل عليها عشية اليوم الذي وهبهما فيه هذا المال قامت وأغلقت عليها مقصورتها، وقالت: ما تدخل إلي أو تهب لي ما وهبت لكل منهما. فقال: الساعة. وأحضر الفراشين، وحمل كل عشرة كيساً فيه عشرة آلاف دينار