للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة خمس وخمسمائة (١):

فى يوم الجمعة ثامن عشر ربيع الآخر نزل بغدوين على صور وبها عزّ الملك أنوشتكين الأفضلى وبنى عليها أبرجة خشب، طول البرج سبعون ذراعا (٢)، يسع كلّ برج ألف رجل، وهو موضوع على شيء يسمّى اسقلوس وهو فخذان ملقيان على الأرض، وفى كلّ برج من أسفله عشرون فرنجيا يصيح أحدهم بالفرنجية: «صند ماريّا»، فيصيح الباقون كذلك، ويدفعونه بأجمعهم، فيسبح على ألواح عظيمة تجعل بين يديه؛ وكانت ستائر (٣) كل برج ومناجيقه كأنها بلد يزحف.

فخرج من أهل صور ألف رجل وحملوا على البرج وطرحوا فيه النار، فعلقت بالخشب، فلم يتمكن الفرنج من إطفائه وهربوا منه، واحترق؛ فتناول المسلمون بالكلاليب ما قدروا عليه من سلاحهم، فوصل إليهم ثلاثمائة درع. وكان هذا البرج كبشا من حديد وزنة رأسه مائة وخمسون رطلا (٤)؛ فظفر به المسلمون. وكانت الرّيح على المسلمين ثم صارت معهم، وملئوا جرارا بالعذرة ورموها على الفرنج (٥)، فصاحوا وذلّوا ورحلوا، فعاثوا؛ ثم عادوا وقد قطعوا النّخل أنابيب ورموا بها فى الخندق (٦).


(١) ويوافق أول المحرم منها العاشر من يوليو سنة ١١١١.
(٢) يذكر ابن القلانسى أن الفرنج أعدوا برجين اثنين: صغير بطول نيف وأربعين ذراعا، وكبير يزيد على الخمسين ذراعا، أقيما فى نحو خمسة وسبعين يوما. ويذكر النويرى أن الأبراج ثلاثة علو البرج سبعون ذراعا. ذيل تاريخ دمشق: ١٧٩؛ نهاية الأرب: ٢٨.
(٣) جمع ستارة، وتتخذ من الجلود واللبود المبللة بالخل والشب والنطرون لوقاية الأبراج والدبابات الخشبية من قذائف النفط أو لحماية الحصون والقلاع. انظر مفرج الكروب: ٣٠٣:٢: حاشية: ٥.
(٤) الكبش وجمعه كباش وكبوش وأكبش: آلة تتصل بالدبابة لها رأس ضخم وقرنان، تدفع نحو الأسوار لهدمها. السلوك: ٥٦:١ حاشية: ٨.
(٥) يذكر النويرى أن قائد النفاطين خاف أن يشتغل الفرنج الذين فى الأبراج بإطفاء النار فرماهم بجرار مملوءة بالعذرة ليشغلهم برائحتها الكريهة.
(٦) فى ذيل تاريخ دمشق: ١٧٩ - ١٨١ وصف تفصيلى للنضال بين المهاجمين والمدافعين.