للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة اثنتين وخمسمائة (١):

فى رمضان ورد الخبر بأن أهل مدينة طرابلس الشام نادوا بشعار الدّولة عند خروج فخر الملك أبى على عمار بن محمّد بن الحسين بن قندس بن عبد الله بن إدريس بن أبى يوسف الطائى منها وقصده بغداد لطلب النجدة لما اشتد حصار الفرنج لها، وغلا السّعر بها.

وكان سماء الملك حسين بن الأفضل عند ما كان بالشام فى السنة التى كسر الفرنج فيها قد سام ابن عمّار تسليمها إليه، فامتنع وغلق الباب فى وجهه؛ وأقام سماء الملك عليها مدّة بالعساكر إلى أن نازلها الفرنج ورحّلوه عنها إلى عسقلان. فلمّا سمع الأفضل أنّ أهل الثغر نادوا بشعاره سيّر إليهم (شرف الدّولة ابن أبى الطيب (٢) ومقدّم الأسطول، وأمره بأخذ المراكب التى على دمياط وعسقلان وصور معه إلى الثغر المذكور نصرة للمسلمين (٣).

فلمّا وصل إليه وجد الفرنج قد ملكوا الجوسق (٤) وأمهلوا المسلمين، فأنفذ من كان بها وحمل فى المراكب من أراد الخروج منهم بأهاليهم وأموالهم، وفيهم صالح بن علاق الطائر بعد هروبه من الأفضل، وحمل من دار ابن عمّار ذخائره ومصاغه، وكان بقيمة كبيرة.


(١) ويوافق أول المحرم منها الحادى عشر من أغسطس سنة ١١٠٨.
(٢) ما بين القوسين من ذيل تاريخ دمشق: ١٦١ ومن نهاية الأرب: ٢٨، وفى الأصل: إليهم أمير بن
(٣) ولما علم ابن عمار أن ابن عمه نادى بشعار الأفضل بن أمير الجيوش كتب إلى أصحابه يأمرهم بالقبض عليه. ويعلق أبو المحاسن على تأخر الأسطول المصرى ثم على وصوله وعدم صموده أمام الفرنج بكلام كثير جاء فيه: «ومن هذا يظهر عدم اكتراث أهل مصر بالفرنج من كل وجه … لضعف العسكر الذى أرسلوه مع أسطول مصر، ولو كان لعسكر الأسطول قوة لدفع الفرنج من البحر عن البلد». ويتعرض ابن القلانسى لتأخر الأسطول قائلا إن أهل البلد «ذلت نفوسهم لاشتمال اليأس من تأخر وصول الأسطول المصرى فى البحر والميرة والنجدة، وقد كانت علة الأسطول أزيحت وسير الريح ترده لما يريد الله تعالى من نفاذ الأمر المقضى». ويتحدث كذلك عن استعداد الأسطول فى هذه المناسبة: «ولم يكن خرج للمصريين فيما تقدم مثله كثرة رجال ومراكب وعدد وغلال لحماية طرابلس وتقويتها بالغلة الكثيرة والرجال والمال». قارن النجوم الزاهرة: ١٧٩:٥؛ ذيل تاريخ دمشق: ١٦٠ - ١٦١؛ ١٦٣ - ١٦٤: نهاية الأرب: ٢٨. وسيرد فى المتن شبيه لما ذكره ابن القلانسى بشأن الأسطول.
(٤) الجوسق معرب الكلمة الفارسية كوسك، ومعناها القصر، والجمع جواسق، ويجئ فى الشعر مجموعا على جواسيق أيضا. السلوك: ٥٩٩:١ حاشية: ١.