الاعتقال بمصر حتى نفاه إلى تنّيس (١)، فى صفر، ومعه نساؤه وأولاده وحاشيته، فاعتقلوا بها.
ثم شرع البابلىّ فى التدبير على قتله. قال الشريف فخر الدولة ومجدها، نقيب نقباء الطالبيين: قال لى مولانا - يعنى المستنصر - يا فخر الدولة؛ ما رأيت أوقع من البابلى؛ وذلك أنّ اليازورى لم ينته إلى ما صار إليه من عظيم المنزلة إلاّ بعد أن تقدّم له من المآثر والآثار فى الدّولة وما فتح على يديه ما هو معلوم مشهور، وكان يرتقى بذلك درجة بعد درجة إلى أن انتهى إلى ما انتهى إليه؛ والبابلىّ فمن أوّل يوم استخدمناه استدعى المنزلة التى لم يصر ذلك إليها إلاّ بعد عدّة سنين، فأجبته إليها، وقلت ترى تساعده الأقدار بأن يكون مثل ما كان ذلك الرجل. ومنها أنه كان إذا حضر بين يدى يكثر التثريب على اليازورى ويذكره بالقبيح ظنّا منه تطلّعنا إلى عوده إلى الأمر، وليثبت فى نفوسنا سوء الرأى فيه. ولم نعلم أن غرضه قتله إلى أن كان اليوم الذى سقت عليه الأتراك ووطئوا درّاعته، فإنه لما دخل إلىّ قال: يا أمير المؤمنين، إنه لا ينفذ لك أمر ولا يتم لى نظر وهذا الكليب فى قيد الحياة. فقلت: ومن هو ذلك الكليب؟ فقال: على ابن عبد الرحمن اليازورى. فقلت: أيها الوزير، اعلم أنّى لم أصرف الوزير عن خدمتنا ولنا فى إعادته رغبة، فطب نفسا ودع ذكره، فأنت آمن مما تخافه من جهته. فقال:
والله إن هذا لعجب من حسن مقامك يا أمير المؤمنين عنه مع قبيح فعله، وما همّ به من قتلك، حتى إن السقية أقامت تدور فى قصرك أسبوعا كاملا. فقلت: أيها الوزير، أقامت السقية تدور علىّ فى قصرى أسبوعا كاملا؟ فقال: نعم. فأطرقت متعجبا، وبقيت،
(١) بكسر التاء، ويعرفها ياقوت بأنها جزيرة قريبة من البر بين الفرما ودمياط، اشتهرت بالثياب الملونة والفرش. وكانت مجموعة من الخصاص عند فتح العرب لها ثم تزايدت أهميتها بالتدريج، فبنيت بها القصور زمن الأمويين، وأنشأ العباسيون سوقها، وبنى بها ابن طولون عدة صهاريج عرفت باسم صهاريج الأمير. معجم البلدان: ٤١٩:٢ - ٤٢٣.