في ثالث محرم صرف البابلي عن الوزارة؛ واستقر عبد الله بن يحيى بن المدبر. وفي صفر توفى قاضي القضاة ابن أبي ذكرى فاستقر في الحكم بعده أبو علي أحمد بن قاضي القضاة عبد الحاكم بن سعيد في رابع عشره، وصرف في خامس صفر. واستقر عوضه أبو القاسم عبد الحاكم بن وهيب المليجي، ثم صرف في حادي عشر رمضان. واستقر عوضه أبو محمد عبد الكريم بن عبد الحاكم بن سعد بن مالك بن سعيد الفارقي، واستخلف ابنه عميد الملك أبا الحسن. وصرف ابن المدبر عن الوزارة واستقر بعده أبو محمد عبد الكريم بن عبد الحاكم، أخو قاضي القضاة.
وكان السبب في سرعة العزل وكثرة الولايات أنه لما قتل اليازوري كثر السعاة في الوزارة، فما هو إلا أن يستخدم الوزير فيجعل نصب الأعين، وتركب عليه المناصب، ويكثر الطعن عليه حتى يعزل ولم تطل مدته ولا اتسع وقته؛ فيلي بعده من يتفق له مثل ذلك، لمخالطة الناس الخليفة ومداخلتهم الرقاع والمكاتبات الكثيرة إليه؛ وكان لا ينكر على أحد مكاتبته. فأحب الناس مخالطة الخليفة وجعلوه سوقا لهم؛ فتقدم كل سفساف، وحظي أوغاد عدة، وكثروا، حتى كانت رقاعهم أوقع من رقاع الصدور والرؤساء والجلة؛ وتنقلوا في المكاتبة إلى كل فن، حتى إنه كان يصل إلى المستنصر في كل يوم ثمانمائة رقعة؛ فتشابهت عليه الأمور وتناقضت الأحوال. ووقع الاختلاف بين عبيد الدولة، وضعفت قوى الوزراء عن التدبير لقصر مدة كل منهم، فإن الوزير منذ يخلع عليه ويستقر إلى أن ينصرف لا يفيق من التحرر، فمن ابتغى به يؤذيه عند الخليفة، وسعت عليه الرجال، فما يصير فيه فضل عن الدفاع عن نفسه. فخربت الأعمال وقل ارتفاعها، وتقلب الرجال