للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ثمان وثمانين وأربعمائة (١):

فى آخر المحرم خرج الأفضل بعساكره من القاهرة فسار إلى الإسكندرية لمحاربة نزار وأفتكين، فخرجا إليه فى عدّة كبيرة وحارباه؛ فكانت بينهما عدّة وقائع بظاهر الإسكندرية انكسر فيها الأفضل ورجع بمن معه منهزما يريد القاهرة؛ فنهب نزار بمن معه من العرب أكثر بلاد الوجه البحرى.

ووصل الأفضل إلى القاهرة، وشرع يتجهّز ثانيا لمسيره. ودسّ إلى أكابر من انتمى إلى نزار من العرب يدعوهم إلى التخلى عنه، واستمالهم بما حمله إليهم من الأموال وما وعدهم به من الإقطاعات وغيرها. وخرج وقد أعدّ واستعدّ. فسار إلى الإسكندرية وقد برزوا إليه؛ فكانت بينهما حروب آلت إلى هزيمة نزار والتجائه إلى المدينة؛ فنزل الأفضل عليها، وحاصرها، ونصب عليها المجانيق وألح عليها بالقتال، ومنع عنها الميرة.

فلما كان فى ذى القعدة وقد اشتد الأمر على من بالإسكندرية جمع ابن مصال ماله وفرّ إلى جهة المغرب فى ثلاثين قطعة، يريد بلده لكّ برقة من أجل رؤيا رآها، وهى أنه رأى فى منامه كأنه قد ركب فرسا وسار والأفضل يمشى فى ركابه؛ فقصّ هذه الرؤيا على عابر له فطانة وتمكّن فى علم التعبير، فقال له الماشى على الأرض أملك لها من الراكب وهذا يدلّ على أنّ الأفضل يملك البلاد.

وكانت الأنفس قد ملّت طول الحصار. فلمّا فرّ ابن مصال ضعفت نفس نزار وأفتكين وتخوّفا ممن حولهما؛ فبعثا إلى الأفضل يسألان الأمان، فأمّنهما، وتمكن من البلد. وقبض على نزار وأفتكين، وسيّر بهما إلى مصر؛ فيقال إنه سلم نزارا لأهل القصر من أصحاب المستعلى، وأنه بنى عليه حائط ومات؛ وقيل إنّه قتل بالإسكندرية؛ والأول أصحّ (٢).


(١) ويوافق أول المحرم منها الحادى عشر من يناير سنة ١٠٩٥.
(٢) يقول النويرى: وقيل إنه جعله بين حائطين فمات. ويضيف صاحب النجوم الزاهرة إلى هذا قولا آخر: ثم قبض على نزار وأفتكين وبعث بهما إلى مصر، وكان ذلك آخر العهد بنزار. النويرى: ٢٨؛ النجوم الزاهرة: ١٤٥:٥.