للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الفوطى: كان الحاكم أجود الخلفاء بماله، وبه تفشت حاله فيما سفكه من الدماء التى لا يحصيها إلا الله. وكان الأمر فى مدة العزيز فيه انحلال وعفو كبير عن الناس، وظنوا أن ذلك يجوز فى مدة الحاكم وجروا على رسمهم، فتجرّد له منهم مطّلع على جميع أمورهم غير مطّرح لعقوبة، فهلك الجم الغفير منهم. وكان فى مدة أبيه العزيز بالله قد تكشف على أقوام ممن يطعن فى الدولة ويسيء المقالة فيها، فلما صارت له الخلافة انتقم منهم أشد انتقام وعمّهم بالعقوبة.

قال: ومن حكايته المشهورة فى العدل أن رجلا عربيا ورد على مصر من سجلماسة (١) يريد الحج، فأودع ماله عند رجل فى السوق، فلما عاد من الحجّ طلب ماله فأبى أن يدفعه إليه. فتوصّل إلى أن أطلع الحاكم على أمره، فقال له اجلس فى دكان مقابلا لدكانه، فإذا جزت فى ذلك السوق فاعمل كأنك تعرفنى وكأنى أعرفك. فلما مر الحاكم وقف على الرجل وسأل عن حاله وأكثر معه الوقوف، وانصرف فجاء الرجل الذى عنده الوديعة إلى الرجل وأكب عليه وسأله الصفح عما سلف منه، وأحضر إليه جميع ماله. فعرف الحاكم بذلك، فأصبح الذى أنكر الوديعة مقتولا معلقا برجله.

وكان نقش خاتمه: بنصر الولى العلى ينتصر الإمام أبو على (٢).


(١) مدينة فى جنوب المغرب الأقصى، بينها وبين فاس عشرة أيام، وتقع على طريق من يريد غانة التى كانت - ولا تزال - تعرف بإنتاج الذهب معجم البلدان: ٤١:٥.
(٢) سبق فى أثناء الحديث عن سنة ثلاث وأربعمائة أن نقش خاتمه كان: «بنصر الله العظيم الولى ينتصر الإمام أبو على».