فيها عمل الوزير أبو منصور الفلاحي على أبي سعيد سهل بن هرون التستري اليهودي وقتله عند خان العبيد. وذلك أن أم المستنصر كانت جارية أبي سعيد هذا، فأخذها منه الظاهر وتسراها، فولدت له ابنه المستنصر، فرقت أبا سعيد درجةً عليه بعد وفاة الظاهر. وكان يخاف الوزير الجرجرائي، فلم يظهر ما في نفسه. فلما مات الجرجرائي وتولى الفلاحي انبسطت كلمة أبي سعيد في الدولة، بحيث لم يبق للفلاحي معه في الوزارة أمر ولا نهي، سوى الاسم فقط وبعض التنفيذ لا غير، وأبو سعيد يتولى ديوان أم الخليفة المستنصر. فغض الفلاحي بأبي سعيد وشغب عليه الجند حتى قتلوه. وذلك أن بني قرة، عرب البحيرة، أفسدوا في الأعمال، فخرج إليهم الخادم عزيز الدولة ريحان، وأوقع بهم وقتل منهم، وعاد وقد عظم في نفسه لمعالجة النصر على بني قرة والظفر بهم. فثقل على أبي سعيد أمره واستمال المغاربة وزاد في واجباتهم، ونقص من أرزاق الأتراك ومن ينضاف إليهم؛ فجرى بين الطائفتين حرب بباب زويلة. واتفق مرض ريحان وموته، فاتهم أبو سعيد أنه سمه؛ وتجمع الطوائف المنحرفة عنه على قتله. فركب من داره على العادة يريد القصر، في يوم الأحد لثلاث خلون من جمادى الأولى، في موكب عظيم؛ فلما قرب من القصر اعترضه ثلاثة من الأتراك وضربوه حتى مات. فأمر المستنصر بإحضار من قتله، فاجتمع الطوائف وقالوا نحن قتلناه. فلم يجد المستنصر بداً من الإغضاء. وقطع الأتراك أبا سعيد قطعاً، وتناولت الأيدي أعضاءه فتمزقت؛ واشترى أهله ما قدروا على تحصيله من جثته بمال. وجمع الأتراك ما قدروا عليه من أعضائه ورمته، وحرقوا ذلك بالنار، وألقوا عليه من التراب