للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة (١):

فيها أظهر المعزّ بن باديس صاحب إفريقية، الخلاف على المستنصر، وسيّر رسولا إلى بغداد ليقيم الدّعوة العبّاسية، واستدعى منهم الخلع؛ فأجيب إلى ذلك. وجهّزت الخلع على يد رسول يقال له أبو غالب الشّيزرىّ، ومعه العهد واللّواء الأسود؛ فمرّ ببلاد الرّوم ليعدّى منها إلى إفريقية، فقبض عليه صاحب الروم (٢). وبلغ ذلك المعزّ بن باديس، فأرسل إلى قسطنطين ملك الروم فى أمره، فلم يجبه رعاية لحقّ المستنصر. واتّفق قدوم رسول طغرلبك (٣) يستأذنه فى مسيره إلى مصر؛ فأظهر المودّة التى بينه وبين المستنصر، وأنه لا يرخّص فى أذيّته. واتفق قدوم رسول المستنصر إليه بهديّة عظيمة، فبعث معه برسول القائم بما على يده، فدخل إلى القاهرة على جمل، وأحرق العهد واللّواء والهديّة فى حفرة بين القصرين؛ وكان القادر قد فعل مع الظاهر والد المستنصر مثل ذلك بالخلعة التى سيّرها إلى محمود بن سبكتكين (٤). ثم أقرّ المستنصر ردّ الرّسول إلى صاحب القسطنطينية.

وكان سبب عصيان ابن باديس ما تقدّم من تقصيره فى مكاتبة الوزير اليازورى وما دار فى ذلك (٥).


(١) ويوافق أول المحرم منها الخامس عشر من مايو سنة ١٠٥١.
(٢) وبعثه إلى المستنصر بالله، فقدم الرسول إلى مصر وهو مجرس على جمل، وحفر بين القصرين حفرة وحرق فيها العهد والخلع واللواء. نهاية الأرب. (والتجريس: التشهير، وهو نوع من العقوبة شاع منذ ذلك العصر وكثر اللجوء إليه أيام المماليك. وطريقته فى بعض العقوبات أن يركب المشهر به جملا ويحمل فى يده جرسا يدقه ويعلن عقوبته وذنبه أو أن يركب معه شخص يمثل المحتسب أو صاحب الشرطة ليدق الجرس كذلك) انظر: سفرنامه: ٦١.
(٣) أول سلاطين السلاجقة الذين ينتهى بدخولهم بغداد عصر نفوذ بنى بويه فى دولة العباسيين. واسمه ركن الدين طغرل بك أبو طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق. توفى سنة ٤٥٥.
(٤) وكان ذلك سنة خمس عشرة وأربعمائة. وقد أرسل الظاهر الخلع إلى حسنك لا إلى ابن سبكتكين، فقبلها حسنك أولا ثم خاف الخليفة القادر فلم يدخل بغداد، وأرسل الخلع - بأمر ابن سبكتكين - إلى القادر، فأحرقها سنة ست عشرة وأربعمائة، بمشهد من الناس، وسبك الذهب وفرق على الفقراء.
(٥) يتحدث ابن الأثير عن اليازورى فى هذه المناسبة فيقول ضمن ما يقول: ولم يكن من أهل الوزارة إنما كان من أهل التبانة والفلاحة … فكان المعز يخاطبه: بصنيعته؛ لا: بعبده. الكامل: ١٩٥:٩ - ١٩٧.