للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان بطرابلس الغرب وما والاها زغبة ورياح، وهما قبيلتان من العرب، وبينهما حروب وعداوة، فأحضر الوزير مكين الدولة أبا على الحسن بن على بن ملهم بن دينار العقيلى، أحد أمراء الدولة، وكان رجلا عاقلا، وسيّره إلى زغبة ورياح بخلع سنية وأنعام كثيرة، وأمره أن يصلح ذات بينهما، ويتحمّل ما بينهما من ديات، ويفديه بالزّيادة فى إقطاعاتهما. فلمّا تمّ له ذلك أمرهم بالمسير إلى المعزّ بن باديس، وأباحهم دياره، وتشدّد فى هذا الأمر حتى توجه المذكورون إلى ديار ابن باديس وملكوها، وجمعوا ذيوله عليه، وقلّموا أظفاره، وضيّقوا خناقه حتى لم يتمكن من قتالهم إلاّ مستندا إلى حيطان إفريقية.

وذلك أنهم ملكوا برقة، فسار إليهم المعزّ فهزموه، وتبعوه إلى إفريقية، وحصروا المدن، فنزل بأهل إفريقية بلاء لا يوصف، فخرج إليهم المعزّ فى أربعين ألفا وقاتلهم، فهزموه إلى القيروان. ثم جمع ثمانين ألفا وقاتلهم، فهزموه، وأكثروا من القتل فى أصحابه، وحصروه بالقيروان. وأقاموا يحاصرون البلاد وينهبون إلى سنة تسع وأربعين، فانتقل المعز إلى المهدية (١) فى شهر رمضان منها، حتى نفدت أمواله، وقلّت عدده، وتفلّت منه رجاله، وأشرف على التّلف؛ فلم يجد سبيلا غير إعمال الحيلة فى خلاصه. فخرج متخفّيا فى زىّ امرأة حتى انتهى إلى المهديّة، فاستولت العربان على حرمه وداره وغلمانه، وقتلوا الرجال وسبوا النساء، وانتهبوا ما كان فى دوره وقصوره؛ وعاثوا فى البلد ينهبون ويأسرون ويقتلون، فخربت القيروان حينئذ إلى اليوم. ووصل كثير مما نهب من قصور بنى باديس من الأسلحة والعدد والآلات والخيام وغيرها إلى القاهرة، فكان ليوم دخولها إلى القاهرة أمر عظيم من اجتماع الناس واعتبار أهل البصائر بتقلّب الأحوال.

وكان من خبر دخول العرب إلى المغرب أن بطون هلال وسليم من مضر لم يزالوا فى البادية، ونجعوا من نجد إلى الحجاز؛ فنزل بنو سليم مما يلى المدينة النبويّة، ونزل بنو


(١) المهدية على مسافة ستين ميلا من القيروان، أنشأها عبيد الله المهدى أول الخلفاء الفاطميين. البكرى: ٢٩؛ معجم البلدان: ٢٠٩:٨.