فَإِنْ آمَنوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ به فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ في شِقَاق ".
أما بعد، أيها الناس فإنا نحمد الله بجميع محامده، ونمجده بأحسن مماجده، حمداً دائماً أبداً، ومجداً عالياً سرمداً، على سبوغ نعمائه، وحسن بلائه، ونبتغي إليه الوسيلة بالتوفيق والمعونة على طاعته، والتسديد في نصرته، ونستكفيه ممايلة الهوى والزيغ عن قصد الهدى، ونستزيد منه إتمام الصلوات، وإفاضات البركات، وطيب التحيات، على أوليائه الماضين، وخلفائه التالين، منا ومن آبائنا الراشدين المهديين المنتخبين، الذين قضوا بالحق وكانوا به يعدلون.
أيها الناس: إن الله جل وعز إذا أراد أمراً قضاه، وإذا قضاه أمضاه، وكان من قضائه فينا قبل التكوين أن خلقنا أشباحا، وأبرزنا أرواحا، بالقدرة مالكين، وبالقدوة قادرين، حين لاسماء مبنية، ولا أرض مدحية، ولا شمس تضيء، ولا قمر يسري، ولا كوكب يجري، ولا ليل يجن، ولا أفق يكن، ولا لسان ينطق، ولا جناح يخفق، ولا ليل ولا نهار، ولا فلك دوار، ولا كوكب سيار.
فنحن أول الفكرة وآخر العمل، بقدر مقدور، وأمر في القدم مبرور، فعند تكامل الأمر وصحة العزم، وإنشاء الله جل وعز المنشآت، وإبداء الأمهات من الهيولات، طبعنا أنوارا وظلما، وحركة وسكونا.
وكان من حكمه السابق في علمه ما ترون من فلك دوار، وكوكب سيار، وليل ونهار، وما في الآفاق من آثار معجزات، وأقدار باهرات، وما في الأقطار من الآثار، وما في النفوس من الأجناس والصور والأنواع، من كثيف ولطيف، وموجود ومعدوم، وظاهر وباطن، ومحسوس وملموس، ودان وشاسع، وهابط وطالع.