للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة احدى وستين وأربعمائة (١):

فيها قوى تغلّب المارقين على المستنصر واستباحوا ما وجدوا فى بيوت أمواله، واشتدّت مطالباتهم بالواجبات المقرّرة لهم، وسألوا الزيادات فى الرسوم. واقتسم مقدّموهم دور المكوس والجبايات، وتغلّب كلّ من بقى منهم على ناحية؛ ولم يبق للدّولة ارتفاع يعوّل عليه، ولا مال فى القياصر يرجع إليه. وأخرج من الذّخائر ما لا شوهد فيما بعده من الدّول مثله نفاسة وغرابة، وجلالة وكثرة، وحسنا وملاحة، وجودة وسناء قيمة وعلوّ ثمن؛ ونقل منه التجار إلى الأمصار شيئا كثيرا، سوى ما أحرق بالنار بعد ما امتلأت قياسر (٢) مصر وأسواقها من الأمتعة المخرجة من القصر المبيعة على الناس، التى أنفق منها فى أعطيات الأتراك، وغيرهم لسنة ستّين وأربعمائة. فأهلت سنة إحدى وستين هذه وقد اشتد الخوف بمصر، وكثر التّشليح فى الطّرقات نهارا والخطف والقتل. وصار الجند فرقتين، فرقة مع الخليفة المستنصر وفرقة عليه.

وذلك أن الوحشة ابتدأت بين الأتراك وبين ناصر الدولة ابن حمدان، لقوة بأسه وتفرّده بالأمور دونهم، واستبداده بالدولة عليهم، فنافسوه وحسدوه، وصاروا إلى الوزير خطير الملك (٣) وقالوا له: كلّ ما خرج من الخليفة من مال أخذه ناصر الدّولة وتفرّق أكثره فى حاشيته، ولا ينالنا منه إلا الشئ القليل. فقال لهم إنما وصل ناصر الدولة إلى هذا وغيره مما هو فيه بكم، ولولا أنتم لما كان له من الأمر شيء، ولو أنكم فارقتموه لا نحلّ أمره.

واتفقوا على أن يكونوا جميعا عليه، ويحاربوا حتى يظفروا به ويخرجوه من مصر.

ودخلوا إلى الخليفة المستنصر وسألوه أن يبعث إلى ناصر الدّولة بالخروج من البلاد، وتهديده إن لم يخرج؛ فبعث إليه يأمره بالخروج عن بلاده؛ فسارع إلى الخروج عن


(١) ويوافق أول المحرم منها الحادى والثلاثين من أكتوبر سنة ١٠٦٨.
(٢) جمع قيسارية؛ وهى الأسواق.
(٣) وهو أبو محمد الحسن بن مجل بن أسد بن أبى كدينة.