للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هارون التّسترى (١) وأخيه أبى ثمر إبراهيم، اليهوديين. وكان من أمرهما أنّ أبا سعيد هذا كان قد استخدمه الظّاهر لبيوعه، فباع عليه فى جملة ما باع جارية سوداء تحظّاها الظاهر، فولدت له المستنصر؛ فراعت ذلك لأبى سعيد وقدّمته عند ولدها المستنصر لمّا صارت الخلافة إليه ورتبته فيما يخصها؛ فعظم شأنه إلى أن صار ناظرا فى جميع أمور الدولة. فلمّا وزر الأنبارى قصده أبو ثمر إبراهيم؛ فجبهه غلام له، فأحفظه، وأعلم أخاه أبا سعيد؛ فثنى رأى المستنصر عن ابن الأنبارىّ لهذا السبب، وأشار عليه أن يستوزر أبا نصر صدقة بن يوسف الفلاحى (٢)، وكان يهوديّا قد أسلم، فاستوزره بعد الجرجرائىّ فى يوم الثلاثاء حادى عشر شهر رمضان، ولقّب بالوزير الأجلّ، تاج الرّئاسة، فخر الملك، مصطفى أمير المؤمنين. وكان يهوديّا موصوفا بالبراعة فى ضروب الكتابة. ولى أوّلا نظر الشام؛ ثم خاف أمير الجيوش أنوشتكين الدّزبرى ففرّ منه؛ وقد اجتهد فى طلبه فلم يظفر به. وقدم إلى القاهرة، فرعى له الجرجرائىّ حرمة انفصاله عن الدّزبرى، ورقّاه، وأشار فى مرضه بأن يستوزر من بعده. فلما تقررت له الوزارة أملى سجلّ تقليده ليلة اليوم الذى خلع عليه فيه.

وتولى أبو سعيد التّسترى الإشراف عليه. وقبض على ابن الأنبارىّ، وصودر، حتى هلك تحت العقوبة، ودفن بخزانة البنود (٣) وكان مسجونا بها. وصار الفلاحى لا يعمل إلا بما يحدّه له أبو سعيد ويمثله.

وكان المستنصر قد بثّ دعاته سرّا إلى الآفاق يدعون إليه، ويستميلون من تصل القدرة إلى استمالته. فلمّا كان فى هذه السنة دفع جماعة منهم إلى ما وراء النّهر، ودعوا هناك بعد أن


(١) يرد اسمه هنا بهذا الرسم: أبو سعيد، وبرسم آخر: أبو سعد. وقد احتفظنا بالرسم الأول لوروده به فى أكثر من مصدر.
(٢) وكان الجرجرائى أيضا قد أوصى به وزكاه للوزارة قبيل وفاته. نهاية الأرب.
(٣) خزانة البنود وتعرف أيضا بدار البنود، وكانت لحفظ الأعلام وكذلك لحفظ أنواع السلاح. معجم البلدان: ٧:٤؛ الخطط: ٤٢٣:١ - ٤٢٥.