على معظمها واستنضوا راخي ارتفاعها، فاتضع الارتفاع، وعظمت النفقات. ووقع اصطراع الأضداد على السلطان، وواصلوه باقتضاء مالهم من المقررات، ولازموا بابه، ومنعوه من لذاته. وتجرءوا على الوزراء واستخفوا بهم، وجعلوهم غرضا لمساءتهم، فكانت الفترات بعد صرف من ينصرف منهم أطول من مدة نظر أحدهم؛ والمستنصر يوسعهم حلماً واحتمالا. فأطغى الرجال ذلك وجرأهم عليه، حتى خرجوا من طلب واجباتهم إلى التصارع، فاستنفدوا أمواله وأخلوا منها خزائنه، وأحوجوه إلى بيع ما عنده من العروض، فكان يخرجها لهم لتباع ويشتريها الناس فيعترضونها، ويأخذ من له درهم واحد ما يساوي عشرة ولا يمكن مطالبته. ثم عادوا إلى تقويم ما يخرج، فإذا حضر المقومون أخافوهم، فيقومون ما يساوي ألفاً بمائة فما دونها، ولا يتمكن الخليفة من استيفاء ذلك؛ فتلاشت الأمور واضمحل الملك. ثم لما علموا أنه لم يبق ما يخرج لهم تقاسموا الأعمال وتشاحنوا على ما زاد من الارتفاع؛ وكانوا يتنقلون فيها بحكم غلبة من يغلب صاحبه عليها. ودام ذلك بينهم سنوات نحواً من ست؛ ثم قصر النيل وغلت الأسعار غلاءً بدد شمل الناس بأسرهم، وفرق ألفتهم، وشتت كلمتهم وأوقع العداوة والبغضاء بينهم، فقتل بعضهم بعضا حتى ناء عصب الإقليم وعفت آثاره، كما ستقف عليه فيما يأتي إن شاء الله.
وفيها اصطلح معز الدولة وابن أخيه محمود بن شبل الدولة، ودخل حلب في رابع عشري ربيع الأول. فلما كان يوم الجمعة لسبع بقين من ذي القعدة توفي ودفن بالقلعة بعد أن حاصر ابن أخيه، فملك بعده أخوه عطية، أبو ذؤابة.
وفيها مات بمصر مؤتمن الدولة أبو طاهر مسلم بن علي بن ثعلب، فكتب أبو محمد بن سعد، الشاعر الخفاجي، من القسطنطينية إلى أهله بحلب يرثيه من أبيات:
أتاني وعرض الرمل بيني وبينه ... حديث لأسرار الدموع مذيع
ومات المعز بن باديس، وملك بعده ابنه تميم؛ فطمع أصحاب البلاد بسبب العرب وتغلبهم على بلاد إفريقية.