للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة عشر وأربعمائة (١):

فيها اشتد الغلاء بديار مصر حتى أبيع الدقيق رطلا بدرهم واللحم أربع أواق بدرهم، ومات كثير من الناس بالجوع. وبلغت عدة من مات فى مدّة رمضان وشوال وذى القعدة، مائتى ألف وسبعين ألفا سوى الغرباء وهم أكثر من ذلك

وفى سنة عشر وأربعمائة سيّر الحاكم بأمر الله أبا القاسم بن اليزيد إلى شرف الدولة الحاكمية أبى تميم المعزّ بن نصير الدولة أبى مناد باديس، ومعه سيف مكلل بنفيس الجوهر وخلعة من لباسه، فقدم المنصورية (٢) لستّ بقين من صفر سنة إحدى عشرة. وتلقاه شرف الدولة ونزل إليه فقرأ عليه سجلاّ عظيما؛ فكانت أيام فرح. ثم ورد بعده محمد بن عبد العزيز بن أبى كدينة بسجل آخر ومعه خمسة عشر علما منسوجة بالذهب، فخلع على أبى القاسم ومحمد، وحملا، وطيف بهما فى القيروان والأعلام المذكورة بين أيديهما.

ولليلتين بقيتا من شوال سنة إحدى عشرة وأربعمائة فقد الحاكم. وسبب فقده أن أخته ست الكل سلطانة كانت امرأة حازمة، وكانت أسنّ منه، فدار بينها وبينه يوما كلام، فرماها بالفجور وقال لها: أنت حامل. فراسلت سيف الدين حسين بن على بن دوّاس؛ من مقدّمى كتامة، وكان قد تخوّف من الحاكم، وتواعدا على قتل الحاكم وتحالفا عليه. فأحضرت ستّ الكل عبدين وحلّفتهما على كتمان الأمر، ودفعت إليهما ألف دينار ليقتلا الحاكم. فأصعد إلى الجبل فى الليل، وكان الحاكم قد رأى أن عليه قطعا (٣)؛


(١) ويوافق أول المحرم منها التاسع من مايو سنة ١٠١٩.
(٢) أنشأها المنصور بن القائم سنة ٣٣٧ بالقرب من القيروان، وبقيت عاصمة الفاطميين حتى انتقلوا إلى مصر فصارت حاضرة بنى باديس حتى خربت سنة ٤٤٢. معجم البلدان: ١٧٨:٨.
(٣) لم أهتد إلى ما يقنع فى تفسير معنى «القطع» المذكور هنا. وقد ورد مثيل له أول قدوم المعز إلى مصر إذ كان مغرى بالنجوم، فنظر فى طالعه ومولده فحكم له «بقطع» فيه، فاستشار منجمه فيما يزيله عنه، فأشار عليه أن يعمل سردابا تحت الأرض ويتوارى فيه إلى حين جواز الوقت، ففعل ذلك. انظر النجوم الزاهرة: ٧٠:٤ - ٧١.