للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ست وأربعين وأربعمائة (١):

فيها أيضا قصر مدّ النيل (٢)؛ ونزع السعر؛ ووقع الوباء. ولم يكن فى المخازن السلطانية إلاّ ما ينصرف فى جرايات من فى القصور ومطبخ الخليفة وحواشيه لا غير، فورد على الوزير من ذلك ما أهمّه. وصار سعر التليّس ثمانية دنانير، واشتد الأمر على الناس. وكان التجار بين نار المعاملين وضيق الحال عليهم فى القيام للدّيوان بما يجب عليهم من الخراج، ومطالبة الفلاحين بالقيام به، يبتاعون منهم غلاتهم على أن يصبروا عليهم إلى حين إدراكه بسعر يربحون فيه. فإذا استقرت مبايعتهم لهم حضروا معهم للدّيوان، وقاموا عنهم للجند بما يجب عليهم، وكتب ذلك فى روزنامج الجند مع مبلغ الغلة؛ فإذا أدركت الغلة وصارت فى الأجران يكتالونها ويحملونها إلى مخازنهم. فمنعهم الوزير من ذلك، وكتب إلى العمّال بجميع النّواحى أن يستعرضوا روزنامجات الجهابذة (٣)، ويحضروا منها ما قام به التجار من المعاملين، ومبلغ الغلة الذى رفع الإيقاع إليه، وأن يقدّموا للتجار ما وزنوه للدّيوان ويربحوهم فى كل دينار ثمن دينار؛ ويضعوا ختومهم على المخازن ويطالعوا ما يحصل تحت أيديهم بها. فلما تحصّلت بالنواحى جهّز المراكب بحمل العلات، وأودعها المخازن السلطانية بمصر، وقرر ثمن كلّ تليّس ثلاثة دنانير بعد أن كان ثمانية دنانير. وسلم إلى الخبازين ما يبتاعونه لعمارة الأسواق ووظّف ما تحتاج إليه القاهرة ومصر، فكان ألف تليّس فى كل يوم، لمصر سبعمائة وللقاهرة ثلاثمائة (٤). فقام بالتدبير أحسن قيام مدّة عشرين شهرا، حتى أدركت الغلة فتوسع الناس بها، وزال عنهم الغلاء.


(١) ويوافق أول المحرم منها الثانى عشر من أبريل سنة ١٠٥٤ وقد أسقط سنة: ٤٤٥.
(٢) كان الفرق بين الزيادة فى هذا العام وفى عام ٤٤٤ إصبعا واحدة، إذ كانت الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع. ومرة أخرى هذا لا يعد قصورا.
(٣) جمع جهبذ وهو كاتب يختص برسم استخراج المال وقبضه وكتب الوصولات به، وعليه عمل المخازيم والروزنامجات والختمات وتواليها، ويطالب بما يقبضه ويخرج ما يرفعه من الحساب اللازم له. قوانين الدواوين: ٣٠٤.
(٤) ولهذا التوزيع دلالته على مدى كثافة السكان فى كل من مصر (الفسطاط وملحقاتها) والقاهرة. وقد اشتملت القاهرة فى تخطيطها الأول - وهو التخطيط الذى صبغها بصبغته العامة طوال العصر الفاطمى - على قصور الفاطميين ودواوين الحكومة وتجمعات الجند فى حاراتهم (مثل حارات زويلة وكتامة والأتراك … إلخ)، بينما احتشد السكان فى مصر الفسطاط وملحقاتها.