للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان عند استقرار الهدنة مع قسطنطين ملك الروم، فى أيام وزارة أبى نصر الفلاحى، قد وصل رسولان أحدهما هو المتكلم المترجم، وكان داهية أديبا شاعرا نحويا فيلسوفا ولد بالرّوم ونشأ بأنطاكية، ودخل العراق، ولقن من العلوم والآداب ما بعد به صيته، وكان يعرف بابن أصطفانوس؛ والآخر متحمّل الهدية، وهو صاحب حرب يعرف بميخائيل.

فرأيا (١) من حسن زىّ الدولة وجميل سيرتها ما أعجبا (١) به، لا سيما ميخائيل، فإنه أطربه ما رأى وحسن موقعه فى نفسه. وسارا وقد امتلأت قلوبهما بمحبة ما شاهداه. فاتفق ملك الروم وتمليك ميخائيل هذا، فبلغه ما بمصر من الغلاء، فحمل إليها مائة ألف قفيز قمحا، وقدم كتابه أمامها يعيّن الغلة والكيل الذى تستوفى به إذا وصلت؛ فانتهت إلى أنطاكية. وأعدّ هدية الهدنة على ما جرت به العادة، وهدية من ماله. فلما رأى الرّوم ذلك ظنّوا به الميل إلى الإسلام، فقتلوه فى ثامن شوال؛ فكانت مدة ملكه اثنتى عشرة سنة وسبعة أشهر، وعمره أربع وخمسون سنة وشهر واحد. وأقاموا رجلا يعرف بابن سقلاروس من أهل أنطاكية، وكان لجوجا خبيثا حديدا، فاعترض الهديتين وأخذهما، وقال: أنا أنتفع بهما وأنفق ثمنهما على قتال المسلمين.

وكانت للوزير بالقسطنطينية عيون، فكتبوا إليه بذلك، فسيّر مكين الدولة الحسن ابن على بن ملهم الكتامى إلى اللاّذقية فى عسكر لحصارها والتضييق على من فيها؛ فحاصرها حتى اشتد على من فيها الأمر. فكتب ابن سقلاروس، متملك الروم، إلى الحضرة يستوضح ما الذى أوجب ذلك؛ فأجيب أن الذى أوجبه ما كان فعله فى نقض ما استقرّ مع من تقدّمه من الهدنة، وقبض الهديّة، والهديّة التى ليست من ماله. فأجاب بأنه يحمل الهديّة؛ فاشترط عليه إطلاق من فى بلاد الروم الأسرى. فأجاب بأنه إذا أطلق من لهم فى بلاد الإسلام من أسرى الرّوم أطلق من [فى] بلاد الروم من أسرى المسلمين. فأجيب بأنه


(١) فى الأصل: فرأوا … وما أعجبوا … وهكذا فى بقية أفعال هذه الجملة وضمائرها.