ومن أحسن ما قيل في أبي سعيد، وقد كره أذاه للمسلمين أنه كان يحلف: وحق النعمة على بني إسرائيل، قول الرضي فيه:
يهود هذا الزّمان قد بلغوا ... غاية آمالهم، وقد ملكوا
العزّ فيهم والمال عندهم ... ومنهم المستشار والملك
يأهل مصر إنّي قد نصحت لكم ... تهوّدوا قد تهوّد الفلك
وفيها استقر في الوزارة بعد الفلاحي أبو البركات الحسين بن عماد الدولة بن محمد بن أحمد الجرجرائي، ابن أخي الوزير صفي الدين، ولقب بالوزير الأجل الكامل الأوحد، علم الكفاة، سيد الوزراء، ظهير الأئمة، عماد الرؤساء، فخر الأمة، ذي الرئاستين، صفى أمير المؤمنين.
وفيها ابتدأ أمر أبي محمد الحسن بن علي بن عبد الرحمن اليازوري. وكان من خبره أن أباه علي بن عبد الرحمن كانت له حال واسعة ببلد يعرف بيازور، من ضياع فلسطين، وكان مقدماً فيها؛ فلما كبرت حاله انتقل إلى الرملة واستوطنها، وصارت له وكلاء في الضياع. فاشتهر هناك وعرف بالعفة والصدق وسماح النفس، فرد إليه قضاء بعض أعمال الرملة. ونشأ له ابنان نجيبان، ولي أحدهما الحكم بعد أبيه إلى أن توفى، ثم خلفه أخوه عبد الرحمن هذا من بعده، فعرف بسعة النفس وسعة الأخلاق؛ فاتصل بخدمة الوزير الجرجرائي، فصر بذلك ممنوعاً ممن يريده بسوء.
واتفق أنه حج قبل قدومه إلى مصر، فلما زار قبر رسول الله نام في الحجرة الشريفة، فسقط عليه خلوق من الزعفران الملطخ في حوائط الحجرة، فجاء بعض الخدام وأيقظه من نومه وقال: أيها الرجل، إنك تلي ولايةً عظيمة وقد بشرتك، فلي منك الحباء والكرامة.