للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ثمان وتسعين وأربعمائة (١):

فيها جمع الأفضل جموعا كثيرة من العربان وأنفق فيهم أموالا عظيمة، وجهّزهم صحبة العساكر مع ابنه شرف المعالى؛ وكتب لظهير الدّين أتابك، صاحب دمشق، بمعاونته ومعاضدته على محاربة الفرنج؛ فاعتذر عن حضوره بما هو مشغول به من مضايقة بصرى، فإن أرتاش بن تاج الدولة (٢) صاحب بصرى كاتب الفرنج وأغراهم بقتال المسلمين وأطمعهم فى البلاد. فسار أتابك من دمشق وحاصر بصرى؛ وجهّز عسكرا إلى شرف المعالى تقوية له على الفرنج، وقدّم عليه إصبهبذ صبا وجهارتكين، وعدّته ألف وثلاثمائة فارس من الأتراك، وعدة عسكر مصر خمسة آلاف فارس.

وأتاهم بغدوين فى ألف وثلاثمائة فارس وثمانية آلاف راجل. فاجتمعت عساكر المسلمين بظاهر عسقلان، ودارت بينهم وبين الفرنج حروب كان ابتداؤها فى الرابع عشر من ذى الحجة فيما بين عسقلان ويافا؛ فانكسرت عساكر المسلمين واستشهد فوق الألف من المسلمين منهم جمال الملك صنيع الإسلام والى عسقلان، وأخذ الفرنج رايته؛ وأسر الفرنج زهر الدولة بنا الجيوشى. وقتل ألف ومائتان من الفرنج، ورجعوا وقد كانت الكرّة لهم على المسلمين. وعاد عسكر دمشق إلى أتابك وهو على بصرى.

وفيها مات كنز الدّولة (٣) محمد فى ثامن شعبان، وقام من بعده أخوه فخر العرب هبة الله.


(١) ويوافق أول المحرم منها الثالث والعشرين من سبتمبر سنة ١١٠٤.
(٢) هو أرتاش بن تاج الدولة تتش؛ وكان فى دمشق حتى وفاة دقاق بن تتش صاحبها، فزين له ظهير الدين طغتكين التقدم إلى الرحبة، فملكها وعاد فمنعه طغتكين من دخول دمشق؛ وهذا سبب نفوره من طغتكين وتحالفه مع الفرنج. وقد حدث هذا كله فى سنة ٤٩٧. ونشبت الحرب بين الرجلين فى هذه السنة، ٤٩٨، عند بصرى ونجح طغتكين فى تملكها سنة ٤٩٩. انظر ذيل تاريخ دمشق: ١٤٨ - ١٥٠؛ الكامل: ١٣١:١٠، ١٤٢ حيث يسمى ابن الأثير صاحب بصرى باسم بكتاش.
(٣) لقب منحه الفاطميون لحكام النوبة منذ نجح زعيمهم أبو المكارم هبة الله أمير ربيعة فى القبض على أبى ركوة الثائر على زمن الحاكم بأمر الله؛ وأصبح هذا اللقب حقا يتوارثه أمراء هذه المنطقة منذ ذلك العهد. انظر الإسلام والنوبة فى العصور الوسطى: ١٣٤ - ١٣٥.